وهم يئسوا من أن يكتم المسلمون ما أنزل الله، بدليل أن رسول الله صلى اله عليه وسلم كان يأتي بحكم في شيء، ثم يغير الله ذلك الحكم، فلا يستحي رسول الله أن يبلغ: أن الحكم الذي قلته لكم قد غيره الله لي.
وهل يستنكف أن يعدل الله له؟ وهذا دليل على أمانة البلاغ عن الله؛ لذلك يئس الكافرون بألوانهم المختلفة من أن ينسى المؤمنون حظا مما ذكروا به؛ لأن تسجيل القرآن كان أمينا بصورة لا نهاية لها، وظل القرآن مكتوباً في السطور ومحفوظاً في الصدور.
والحق يعلن عن يأس الكفار من مشركين وأهل كتاب بقوله: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ يئسوا لأن المراحل التي مرت بالكتب السابقة لن تمر بهذا الدين. وقد توهم أهل الكتاب أن الإسلام سيمر بما طرأ عليهم، وظن بعضهم أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب من ترك لدينهم وإهدار له. وكذلك ظن بعض كفار قريش أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب، فقد كانت عندهم التوراة وهم مع ذلك لا يتبعون كتابهم، فيرد الحق على كل هؤلاء: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾.
وقوله: «اليوم» يعني الزمان الذي مضى والزمان المستبقل، فقد أتم الله دين الإسلام ورضيه لنا وفتحت مكة للمسلمين ودخل الناس في دين الله أفواجا. وصار القرآن مكتوباً ومحفوظاً. وبذلك تأكد يأس الكافرين والمشركين أن يُنسى القرآن أو أن يُكتم القرآن؛ لأن من أنزل عليه الكتاب، كان إذا جاء أمر يتعلق به فهو يقوله. وعندما مال قلب المسلمين ذات مرة إلى تبرئة المسلم الذي سرق وأن تلصق التهمة باليهودي البريء، هنا نزل من القرآن قوله: ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: ١٠٥]
لقد أمر الحق أن يكون النبي هو الحكم العدل حتى ولو كان حكماً ضد مسلم ويأمر الحق رسوله أن يستغفر الله إن كان قد ألم به خاطر أن ينصر المسلم الخائن على اليهودي الذي لم يسرق، إنها سماحة دين الإسلام.