﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا﴾ [التوبة: ١١٨].
ماذا تعني توبة الله عليهم؟ سبحانه لن يتوب عليهم توبة القبول إلا بعد أن يتوبوا. إذن فتوبة الله عليهم الأولى هي التشريع لهم بالتوبة، ثم توبتهم، ثم قبول الحق للتوبة. لكن هؤلاء عموا وصموا، وعلى الرغم من ذلك لطف الله بهم. فماذا حدث منهم بعد ذلك؟ عموا وصموا مرة أخرى ﴿ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾.
و «عموا» مأخوذة من الفعل «عمى»، ومثلها مثل «أكلوا» و «شربوا» و «حضروا»، فأين الفاعل؟ الفاعل هو «واو الجماعة». وابن مالك قعّد لهذه المسألة، فساعة تسند الفعل إلى اثنين أو إلى جماعة، فلا بد أن تجرد الفعل من علامة التثنية أو الجمع، فلا تقول: «قاما زيد وعمرو» ولكن تقول: «قام زيد وعمرو»، ولا نقول: «قاموا التلاميذ» بل نقول: «قام التلاميذ»، لأن مدلول «الواو» هو مدلول «التلاميذ» ؛ قال ابن مالك:
وجرد الفعل إذا ما أسندا | لاثنين أو جمع ك «فاز الشهدا» |
وحمل بعضهم قوله تعالى: ﴿وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ﴾ على هذا، وكان قول الحق: ﴿كَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ صيانة للاحتمال بأن قلة منهم تدير أمر الإيمان في قلوبهم، وكلمة «كثير» جاءت حتى تنبه إلى أن الحق سبحانه وتعالى لا يهمل أبداً القلة التي تدير أمر الإيمان في خواطرهم. ليؤكد ويعاضد ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾. ﴿ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ و «بصير» مثلها مثل «عليم»، أي شاهد وليس مع العين أين. ويقول الحق من بعد ذلك: