معانيها لما تجددت معاني الكتاب العظيم في كل زمان، وكأن الحق قد قصد ذلك حتى يثبت الناس في كل العصور من إيمانهم. وها هم أولاء بعض من الذين يحاولون الخوض في القرآن تساءلوا عن معنى قوله الحق: ﴿وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله وَهُوَ الحكيم العليم﴾ [الزخرف: ٨٤].
تساءلوا عن معنى التكرار أنه إله في السموات وإله في الأرض. وظن بعض السطحيين أنه قصد القول بأن هناك إلهاً في السموات وإلهاً آخر في الأرض، ولم يفطنوا إلى أن المعنى المقصود هو: إنه إله يعبد في السماء ويعبد في الأرض، وهو صاحب الحكمة المطلقة في كل أفعاله وهو المحيط بكل كونه. وأن الحق إنما يريد بهذا القول أن يشغل الأذهان به.
ونقول أيضاً لهولاء الذين لم يفهموا المعنى: هناك قاعدة في اللغة تحدد النكرة وتحدد المعرفة؛ فعندما نقول: «جاءني الرجل» فهذا الرجل يكون معروفاً للقائل والسامع. ولكن عندما نقول: «جاءني رجل» فهذا غير معروف للسامع وقد يكون معروفاً للقائل. وإذا قلنا: «جاءني رجل وأكرمت رجلاً» فمعنى ذلك أن القائل يتحدث عن رجلين؛ أحدهما جاء، والآخر كان موضع التكريم. أما إن قال القائل: «جاءني رجل فأكرمت الرجل» فالحديث هنا عن رجل واحد.
إذن فالنكرة إن أعيدت نكرة تكون مختلفة، والنكرة إن أعيدت معرفة تكون هي بعينها. وعندما قال الحق سبحانه: ﴿وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله﴾ [الزخرف: ٨٤].
تصور البعض أن «إله» نكرة، عندما أعيدت صارت غيرها، ولو كان الأمر كذلك لفسدت الدنيا. ولكن القاعدة الغالبة من العلماء عرفوا روح النص. وقال أهل العلم بالتوحيد: لا بد لنا أن نلتفت إلى أنه سبحانه قال: ﴿وَهُوَ الذي﴾، وكلمة «الذي» اسم موصول واحد يدلنا على أن الحق صلته بالسماء وبالأرض واحدة، ولهذا نقول لمن وقفوا عند هذه الآية: لا تبحثوا عن النكرة المكررة بمعزل عن الاسم الموصول، لأن الاسم الموصول معرفة.