﴿واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ وَيَصْنَعُ الفلك وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٧ - ٣٨].
فقد أوحى سبحانه إلى نوح البلاغ الحق وأمره أن يصنع الفلك تحت عنايته سبحانه وألا يخاطبه في شأن الكافرين الظالمين الذين لم يستجيبوا لدعوة الله ويَشْرَع نوح في إنشاء الفُلْك، ولكن الكافرين يستهزئون به لجهلهم ولعدم الوثوق من الغرض والهدف. ويسخر نوح من كل من يسخر منه.
ومثال آخر وهو انتصار الإسلام بعد أن كان أهل الكفر قوة، ولكن المتكبر الطاغي منهم يأتي بعد صلفه وكبريائه صاغراً. ومنهم من قتل وأسر وذاق مرارة الذل النفسي. وقد كانوا من قبل يستهزئون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ومثال على ذلك الوليد بن المغيرة، وهو السيد في قومه، يأتي فيه قول الحق: ﴿إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم﴾ [القلم: ١٥ - ١٦].
وكان الوليد صاحب ثراء من المال ومنعة وقوة من البنين، وأعرض عن القرآن وسخر منه. فجعل الحق منه أمثولة للناس، وطبع على أنفه علامة لازمة افتضح بها، وكانت سُبّةً له وعاراً لا يفارقه كلما ذكر.
وقد نزل هذا القول في القرآن وقت ضعف المسلمين، ثم يأتي خبر ضربه على أنفه الذي هو محل الأنفة والكبرياء والعنجهية، ثم تأتي بدر ليرى المسلمون تحقيق ذلك، إنه كلام إلهي متحدًى به ومتعبد بتلاوته. وهكذا تصدق كل قضية يأتي بها الله.
ويقول الحق بعد ذلك:


الصفحة التالية
Icon