والحق يجازي كل كافر الجزاء الوافي، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يخبر قومه بما حدث لغيرهم من أقوام آخرين ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾ والقرن عادة هو الجيل الذي يحكمه زمن محدود أو حال محدود، فإن نظرنا إلى الزمن فالقرن مائة سنة كأقصى ما يمكن، والجيل الذي يعيش هذا القدر يرى حفيده وقد صار رجلاً. ونعلم أن نوحاً عليه السلام عاش تسعمائة وخمسين سنة. يقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ [العنكبوت: ١٤].
وحياة نوح على طولها تسمى قرناً. إذن فالقرن هو جيل يجمعه ضابط إما زمني وإما معنوي، والقرن الزمني مدته مائة سنة، أما القرن المعنوي فقد يكون عمر رسالة أو مُلْك.
ويخبر الحق أهل الكفر بأنه قد قدر على غيرهم وأبادهم بعد أن مكن لهم في الأرض وذلك بألوان مختلفة من أنواع التمكين: ﴿وَأَرْسَلْنَا السمآء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾، وهذا الخبر يأتي من السماء بما حدث لقوم سابقين مثل قوم سبأ، فقد قال عنهم الحق في موضع آخر من القرآن الكريم: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشكروا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: ١٥].
ومسكن سبأ باليمن آية دالة على قدرة الله؛ حديقتان وارفتان عن يمين وشمال؛ ليأكل أهل سبأ من رزق الله ويشكروا نعمة الله. وكان لهم سد مأرب، ووهبهم الله القدرة لبنائه، فقطعوا من الجبال التي ليس عمل فيها ليحجزوا ماء المطر الساقط من السماء، كل شيء إذن فعلوه وإنما فعلوه لأن الله قد أراده، وهم أعرضوا عن أمرين: عن الرزق الوفير الذي منحهم الله إياه وأرادوا أن يعتمدوا على أنفسهم كما فعل قارون حيث قال: ﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي﴾.
ظنوا أنهم قادرون على رزق أنفسهم وكذلك لم يشكروا الله، ولذلك أرسل الله عليهم سيل العرم، أي أنه عقاب من جنس العمل، وهكذا تكون عاقبة الإعراض والكفر بنعم الله. فقد