إننا نعلم أن كل تكوين له قدرة استقبال لما يناسبه من أشياء، وضربنا لذلك مثلاً من دنيانا العلمية - ولله المثل الأعلى دائماً وهو منزه عن كل مثال - نجد الإنسان منا عندما يدخل الكهرباء إلى بيته لرغبته في الانتفاع بقانون النور والضوء لمدة أطول وبفوائد الكهرباء المتعددة، ولكنه عندما يريد أن ينام فهو يطلب الانتفاع بقانون الظلمة، فيطفئ المصابيح، ويضع مصباحاً صغيراً لا يتحمل أن يأخذ الطاقة مباشرة من الكهرباء من مصدرها القوي؛ لذلك يأتي الإنسان بمحول للطاقة فيستقبل المحول طاقة الكهرباء العالية من مصدرها ويخفضها بصورة تناسب المصباح الصغير. وهكذا نحتفظ بضوء ضعيف في الليل لنستفيد من قانون الظلمة لننام.
وقد امتن الحق علينا أنه خلق النور وخلق الظلام، وكل منهما له مهمة. فإذا كان خَلْقُ النور والضوء والكهرباء قد أتاح للإنسان بناء حضارة، فالظلام أتاح للإنسان أن يرتاح وتسكن نفسه فيقوم ممتلئاً بالنشاط والحيوية. وإذا كنا نحتفظ في الليل ببصيص نور لا يزعج، فنحن نفعل ذلك حتى لا نحطم الأشياء أو نصطدم بها إذا ما قمنا في الليل لقضاء حاجة.
وكذلك الإنسان.. إنه لا يستطيع بضعفه أن يأخذ عن الله مباشرة.. ومن رحمة الحق بالخلق أن جعل بينه وبين الخلق وسائط، بتلقي المَلَك عن الله، والملك وسيط، والمَلك ينقل إلى الرسول المصطفى، والرسول المصطفى وسيط، ومن تغفيل أهل الكفر أنهم طالبوا بإنزال ملك رسول.
ويرد الله عليهم في موضع آخر من القرآن الكريم: ﴿وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً﴾ [الإسراء: ٩٤ - ٩٥].
لقد طالبوا - جهلاً - أن ينزل إليهم ملك رسول بالهدى، ويأمر الحق رسوله أن يرد عليهم بأنه لو كان بين البشر ملائكة.. أي لو كان هناك ملائكة يمشون في الأرض لنزل إليهم الملك كرسول. ولما كان هذا غير حاصل، فقد أرسل الحق