وهذه هي الإذاقة، كأنها صارت لباساً من الجوع يشمل الجسد كله، والإِذاقة أشد الإِدراكات تاثيراً، واللباس أشمل للجسد. ﴿فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾.
ولم يقل الحق: بما كنتم تكتسبون؛ لأن اكتسابهم للسيئات لم يعد فيه افتعال، بل صار أمراً طبيعياً بالنسبة لهم، وعلى الرغم من أن الأمر الطبيعي في التكوين أن يصنع الإنسان الحسنة دون تكلف ولا تصنع، وفي السيئات يجاهد نفسه؛ لأن ذلك يحدث على غير ما طبع عليه، ولكن هؤلاء من فرط إدمانهم للسيئات فسدت فطرتهم ولم تعد ملكاتهم تتضارب عند فعل السيئات، بل صاروا يرتكبون الإثم كأمر طبيعي، وهذا هو الخطر الذي يحيق بالمسرفين على أنفسهم؛ لأن الواحد منهم يفرح بعمل السيئات.
ويقول الحق بعد ذلك: ﴿إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا... ﴾
والحق يريد أن يعطي حكماً جديداً ويحدد من هو المحكوم عليه ليعرف بجريمته، وهي جريمة غير معطوفة على سابقة لها، وليعرف كل إنسان أن هذه جريمة، وأن من يرتكبها يلقى حكماً وعقاباً. ﴿إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا﴾.
وقد عرفنا من قبل معنى الايات. وأنها ايات القرآن المعجزة أو الايات الكونية، وأي إنسان يظن نفسه أكبر من أن يكون تابعاً لمنهج جاء به رسول عرف بين قومه بأمانته، وهذا الانسان يستحق العقاب الشديد. فصحيح أن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يكن له من الجاه ولا سلطان ما ينافس به سادة وكبراء قريش، ولذلك وجدنا من يقول: ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١]