وذرأنا معناها بثثنا ونشرنا وكثّرنا، وكلمة كثير لا تعني أن المقابل قليل، فقد يكون الشيء كثيراً ومقابله أيضاً كثير، والحق سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب... ﴾ [الحج: ١٨]
إذن كل الكائنات من جمادات ونباتات وحيوانات تسجد لله سبحانه وتسبحه، ولكن الأمر انقسم عند الإنسان فقط، حيث يقول الحق في ذات الآية: ﴿وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب... ﴾ [الحج: ١٨]
أي هناك كثير يسجدون ويخضعون لله. ومقابل ذلك كثير كفروا ولم يسجدوا وحق عليهم العذاب. وإذا كان المولى تبارك وتعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجن والإنس﴾
فقد يثور في الأذهان سؤال هو:
هل أنت خالقهم يا رب لجهنم، ماذا تستطيعون إذن؟ ولا شيء في قدرتهم مادمت قد خلقتهم لذلك؟
ونقول: لا. ولنلفت الأنظار إلى أن في اللغة ما يسمى «لام العاقبة»، وهو ما يؤول إليه الأمر بصورة تختلف عنا كنت تقصده وتريده؛ لأن القصد في الخلق هو العبادة مصداقاً لقوله الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]


الصفحة التالية
Icon