وهذا التكليف في صلاة الجمعة المفروضة كصلاة للجماعة، والجماعة مطلوبة فيها، ومن الضروري أن نتواجد فيها كجمع؛ لأن الجماعة مشروطة فيها فلا تصح بدون الجماعة.
ونعرف أن الصلاة إنما هي ذكر لربنا، فماذا بعدها؟ ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠].
أي إياك أن يشغلك انتشارك في الأرض وابتغاؤك من فضل الله، والأخذ بأسباب الدنيا عن واجبك نحو الله، بل عليك أن تذكره سبحانه وتعالى: ﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً... ﴾.
أي لا تكن من الغافلين عن مطلوبات الله بالحدود التي بينها الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأن الغفلة معناها انشغال البال بغير خالقك، وأنت إن جعلت خالقك في بالك دائما فإنك لا تغفل عن مطلوباته في الغدو والآصال وفي كل وقت، سواء كنت في الصلوات الخمس، أو كنت تضرب الأرض في أي معنى من المعاني، وتأس أيها المؤمن بالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فإذا كان الملائكة والذين لم يرتكبوا أية معصية وليس لهم موجبات المعصية، ولا يأكلون ولا يتناسلون، وليس لهم شهوة بطن ولا شهوة فرج، وكل المعاصي جميعها تأتي من هذه الناحية، مع ذلك يجب عليك أن تتأسى بهم؛ لأنهم هم الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه؛ وله يسجدون، لذلك يقول الحق بعد ذلك: