بالأسباب فهو يؤمن أنه لاجىء إلى الله ومعتمد عليه، لكن إن عزت عليه الأسباب فهو يعلم أن له رباً، ولذلك قال: ﴿وعلى رَبِّهِمْ﴾، والرب هو الخالق من عَدَم، والممد من عُدْم، وما دام قد خلقك وأمدك من عُدْم قبل أن يكلفك، فهل من المعقول أن يظلمك؟ طبعاً لا. لكن عليك أن تفطن أنه لك جوارح، فاستعملْ الجوارح فيما خلقت من أجله.
وتأتي الآية التالية لتوضح عمل الجوارح، وهي تحمل الصفتين الرابعة والخامسة من صفات المؤمنين: ﴿الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الأنفال: ٣].
والقيام والقعود والقراءة والتسبيح والتكبير في الصلاة عمل جوارح، وكذلك الزكاة هي عمل ناتج من عمل سبق، فحتى تخرج الزكاة لا بد أن تبذل الجهد وتأخذ بالأسباب لتنتج ما يعولك أنت ودائرتك القريبة من زوجة وأبناء ثم أقارب، ومن بعد ذلك يفيض من المال ما تستقطع منه الزكاة، وهذه بطبيعة الحال غير زكاة الزروع التي تُخْرَج في يوم الحصاد. ﴿وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١].
ودائما ما نجد الصلاة والزكاة وهما مقترنتان ببعضهما، ولا تجد آية فيها ذكر للصلاة إلا وفيها ذكر للزكاة أيضاً؛ لأن الصلاة تعني ترك أمورك الحياتية التي تسعى فيها لدنيا الأسباب، وتذهب إلى الحق سبحانه وتعالى وتقف بين يديه، أي أنك قد اقتطعت جزءاً من الزمن الذي كنت تقضيه في حركة حياتك لتقف فيه أمام ربك خالق الأسباب.
والزكاة تعني أنك تقتطع جزءاً من مالك، ولذلك قلنا: إن الصلاة فيها زكاة


الصفحة التالية
Icon