ومطلع عليهم، وما داموا قد انتقلوا من حظيرة الكفر إلى حظيرة الإيمان فالله يمحو سيئاتهم ويبدلها حسنات؛ لأن قوما عاشوا على الكفر وألفوا خصاله ثم تركوا ذلك إلى الإيمان فهذا أمر صعب يحتاج إلى جهاد شديد مع النفس، ويثيبهم الله تعالى بقدر مجاهدتهم لأنفسهم، ويثيبهم المولى سبحانه وتعالى بسخاء.
وهناك معنى ثان في قوله تعالى:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: ٣٩].
أي: فيا من وقفتم موقف العداء من الإيمان، وتعرضتم للكافرين التعرض الذي أعاد لهم التهذيب وحسن التعامل مع المؤمنين، اعلموا أنه سبحانه وتعالى بصير بما عملتم ليكون الدين كله لله.
وهكذا نرى أن كلا من المعنيين يكمل الآخر.
ويقول الحق بعد ذلك: ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ... ﴾
والله سبحانه وتعالى يرغب الناس حتى يؤمنوا، ولكنه في ذات الوقت يبين لهم أن كثرة عدد المؤمنين ليست هي التي تعلي راية الإسلام وتصنع النصر للإيمان، فيقول سبحانه: ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾.
وهنا شبهة في أن الله تعالى يحنن هؤلاء على أن يؤمنوا، وأن يسلموا، وأن يعودوا إلى حظيرة الحق، وربما ظن ظان أن الإسلام يريد أن يقوى بهم، ولذلك قال الحق: ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي إياكم أن يفت ذلك في عضدكم، أو أن يقلل هذا الأمر من همتكم وشجاعتكم؛ لأنكم إنما تنتصرون بمدد من الله


الصفحة التالية
Icon