ونفسه تمتلئ فرحاً. وإذا بالسجان يضربه بشدة على يده فيسقط الكوب على الأرض، فيصاب المسجون بصدمة شديدة. وهذه أبشع طرق التعذيب. ولو أن السجان رفض إحضار كوب الماء من أول الأمر لكان ذلك أقل إيلاماً للسجين. لكن بعد أن يحضر كوب الماء للمسجون ويضعه في يده ثم يحرمه منه فهذا أكثر عذاباً. وهكذا أراد الله أن يزيد من عذاب الكافرين فأعطاهم مقدمات النصر وحلاوته أولاً، ثم جاءت من بعد ذلك مرارة الهزيمة لتسلبهم كل شيء، وبذلك تجتمع لهم فجيعتان: فجيعة الإيجاب، وفجيعة السلب.
ثم تأتي لمحة الرحمة التي يغمر بها الله سبحانه وتعالى كونه كله، ويفتح الباب لكل عاص ليعود إلى طريق الإيمان فيتقبله الله، ويقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ... ﴾
وهذه هي عظمة الخالق، الرحمن الرحيم، فهو يفتح الباب دائماً لعباده؛ لأنه هو خالق هذا الكون، وكل من عصى يفتح الله أمامه باب التوبة، وهذه مسألة منطقية؛ لأن الذي يكفر والذي يعصي لا يضر الله شيئاً، ولكنه يؤذي نفسه ويحاول أن يفتري على نواميس الحق، وحين يعلم العاصي أنه لا ملجأ له إلا الله، فالله عَزَّ وَجَلَّ يفتح له باب التوبة.
وبعد أن بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا في هذه السورة أن الله ورسوله بريء من المشركين، وكشف عن طبيعتهم بأنهم لا عهد لهم ولا ذمة، ويصفي هذه المسائل تصفية عقدية في ﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾، وطلب منا أن ننهي العقود التي بيننا وبينهم.. فمن نقض العهد انتهى عهده، ومن حافظ عليه حافظنا نحن على العهد إلى مدته، ثم طلب من المشركين ألا يقربوا المسجد الحرام، وصفَّى أي ضغينة أو ذنب بفتح باب التوبة. ومن بعد ذلك ينتقل


الصفحة التالية
Icon