إذن: فما المانع أن يكون الحق سبحانه وتعالى يريد أن يهيئ الأذهان ب ﴿الم﴾ ؛ حتى نسمع، ثم تأتي الآيات الحاملة للمنهج من بعد ذلك؟
وما المانع في أن نفهم أن النبي الأمي لا يعرف كيف ينطق بأسماء الحروف، فهو إن نطق فإنما يصدر ذلك بعد تعليم الله له؟
ولماذا لا نفهم منها أيضاً أن وسائل الفهم لا تنتهي إلى أن تقوم الساعة؟ وإلا لو انتهت عند البشر؛ لكان كلام الله قد حددت صفته بفهم البشر، وسبحانه قد شاء أن نغترف من معاني كلماته الكثير على مدى الأزمان، والقرآن كلام الله، وكلام الله صفته، وصفته لا تتناهى في الكمال، فإن عرفت كل مدلولاتها، تكون قد حددت الكمال بعلم، لكن القرآن لا نهاية له.
ولماذا لا نفهم أن القرآن الذي بيّن الحق سبحانه وتعالى أنه معجزو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو من جنس ما نبغ فيه قومه؛ فتحداهم من جنس ما برعوا فيه. ويقول لهم: هاتوا مثيلاً له، ولن تستطيعوا، ولو أنه جاء بالقرآن على غير لغتهم في الكلام لقالوا: لا نستطيع؛ لأن حروف هذه اللغة جديدة علينا.
وقد شاء الحق أن يكون القرآن من نفس الحروف التي يتحدثون بها، وبالكلمات التي يعرفونها في لغتهم، وشاء سبحانه أن يجعل حروف وكلمات وآيات وأساليب القرآن غير قابلة للتقليد؛ لأن المتكلم مختلف، وبهذا جاءت عظمة القرآن لا من ناحية المادة الخام التي تبني منها