: " أَنَّ نَفَرًا، مِنْ قُرَيْشٍ وَمِنْ أَشْرَافِ كُلِّ قَبِيلَةٍ، اجْتَمَعُوا لِيَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ وَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، سَمِعْتُ بِمَا اجْتَمَعْتُمْ لَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضَرَكُمْ وَلَنْ يَعْدِمَكُمْ مِنِّي رَأْيٌ وَنُصْحٌ قَالُوا: أَجَلْ، فَادْخُلْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ، قَالَ: انْظُرُوا فِي شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يُوَاثِبَكُمْ فِي أَمْرِكُمْ بِأَمْرِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: احْبِسُوهُ فِي وَثَاقٍ ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ الْمَنُونَ حَتَّى يَهْلِكَ، كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ زُهَيْرُ وَنَابِغَةُ، فَإِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِهِمْ، فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لَا وَاللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْي وَاللَّهِ لَيُخْرِجَنَّ رَأْيَهُ مِنْ مَحْبَسِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَثِبُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَمْنَعُوهُ مِنْكُمْ فَمَا آمَنَ عَلَيْكُمْ أَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، فَانْظُرُوا فِي غَيْرِ هَذَا الرَّأْي، فَقَالَ قَائِلٌ: فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَاسْتَرِيحُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ لَمْ يَضُرُّكُمْ مَا صَنَعَ وَأَيْنَ وَقَعَ وَإِذَا غَابَ عَنْكُمْ أَذَاهُ اسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فِي غَيْرِكُمْ، فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْي، أَلَمْ تَرَوْا حَلَاوَةَ قَوْلِهِ وَطَلَاقَةَ لِسَانِهِ وَأَخْذَهُ لِلْقُلُوبِ بِمَا يَسْتَمِعُ مِنْ حَدِيثِهِ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ ثُمَّ اسْتَعْرَضَ الْعَرَبَ لِيَجْتَمِعُنَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَيَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ حَتَّى يُخْرِجَكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ وَيَقْتُلَ أَشْرَافَكُمْ، قَالُوا: صَدَقَ وَاللَّهِ، فَانْظُرُوا رَأْيًا غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَأَشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْي مَا أَرَى أَبْصَرْتُمُوهُ بَعْدُ مَا أَرَى غَيْرَهُ، قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: نَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ غُلَامًا سَبِطًا شَابًّا نَهْدًا، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ غُلَامٍ مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ يَعْنِي: ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا فَلَا أَظُنُّ هَذَا الْحَيُّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَقْوُونَ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهُمْ، وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْلَ وَاسْتَرَحْنَا وَقَطَعْنَا عَنَّا أَذَاهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: هَذَا وَاللَّهِ هُوَ الرَّأْي، الْقَوْلُ مَا قَالَ الْفَتَى لَا رَأْيَ غَيْرُهُ، فَتَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ، وَأَخْبَرَهُ بِمَكْرِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَبِتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فِي الْأَنْفَالِ يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ، ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] "