قال ابن عطية: ولأن قوله: فَوْقَ الْأَعْناقِ هو الفصيح وليست «فوق» زائدة بل هي محكمة المعنى، لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ، وهكذا لو كان لفظ فوق زائدا- كما قالوا- لقال فلهما ثلثا ما ترك ولم يقل فلهن.
وأوضح ما يحتج به الجمهور ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي في «سننه» عن جابر قال: «جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال؟ فقال: يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ الآية فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عمهما فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك» «١». أخرجوه- من طرق- عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن جابر. قال الترمذي: ولا يعرف إلا من حديثه.
وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ والمراد بالأبوين الأب والأم والتثنية على لفظ الأب للتغليب.
وقد اختلف أهل العلم في الجد: هل هو بمنزلة الأب فيسقط بالأخوة أم لا؟ «٢» فذهب أبو بكر الصديق إلى أنه بمنزلة الأب ولم يخالف أحد من الصحابة أيام خلافته، واختلفوا في ذلك بعد وفاته فقال يقول أبي بكر بن عباس وعبد الله بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة وعطاء وطاووس والحسن وقتادة وأبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق واحتجوا بمثل قوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ [الحج: ٧٨] وقوله: يا بَنِي آدَمَ [الأعراف: ٢٦]. وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ارموا يا بني إسماعيل» «٣».

(١) [حسن] أخرجه أبو داود في السنن [٣/ ١٢٠ و ١٢١] ح [٢٨٩١] و [٢٨٩٢] والترمذي في السنن [٤/ ٣٦١] ح [٢٠٩٢] وابن ماجه في السنن ح [٩٠٨] والدارقطني في السنن [٤/ ٧٨- ٧٩] والبيهقي في السنن الكبرى [٦/ ٢٢٩] والحاكم في المستدرك [٤/ ٣٣٣- ٣٣٤] انظر الإرواء [٦/ ١٢٢].
(٢) انظر فتح القدير [١/ ٤٣٢].
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح [٦/ ٩١] ح [٢٨٩٩].


الصفحة التالية
Icon