يجز له قرب إحداهما حتى يحرّم الأخرى ولم يوكل ذلك إلى أمانته لأنه متهم.
قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها إنه ليس له أن ينكح أختها حتى تنقضي عدة المطلقة، واختلفوا إذا طلقها طلاقا لا يملك رجعتها فقالت طائفة: ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدّة التي طلق. روي ذلك عن علي عليه السلام وزيد بن ثابت ومجاهد وعطاء والنخعي والثوري وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: له أن ينكح أختها وينكح الرابعة لمن كان تحته أربع وطلق واحدة منهنّ طلاقا بائنا يروى ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد. قال ابن المنذر: ولا أحسبه إلا قول مالك. وهو أيضا إحدى الروايتين عن زيد بن ثابت وعطاء.
وقوله إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ يحتمل أن يكون معناه [معنى] «١» ما تقدم من قوله:
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ، ويحتمل معنى آخر، وهو جواز ما سلف وأنه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا، وإذا جرى في الإسلام خيّر بين الأختين، والصواب الاحتمال الأول.
إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) بكم فيما سلف قبل النهي وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ عطف على المحرّمات المذكورات. وأصل التحصن التمنع، ومنه قوله تعالى: لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ أي: لتمنعكم، والحصان: المرأة العفيفة لمنعها نفسها، والمصدر الحصانة بفتح الحاء، والمراد بالمحصنات هنا ذوات الأزواج.
وقد ورد الإحصان في القرآن بمعان، هذا أحدها، والثاني: يراد به الحرّة. ومنه قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ، وقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والثالث: يراد به العفيفة، ومنه قوله تعالى: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ، وقوله: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ. والرابع:
المسلمة، ومنه قوله تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ أي أسلمن.
وقد اختلف أهل العلم في تفسير [هذه الآية] «٢» هنا فقال ابن عباس وأبو سعيد
(٢) جاء في المطبوع [في تفسير «هن» ] والتصحيح من فتح القدير [١/ ٤٤٨].