قال ابن عطية: وهذا قول حسن! وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج، وما يضاف إليها من سائر الحيوانات، يقال له: أنعام مجموعة معها، وكأن المفترس- كالأسد وكل ذي ناب- خارج عن حد الأنعام، فبهيمة الأنعام هي الراعي ذوات الأربع.
وقيل: بهيمة الأنعام ما لم يكن صيدا لأن الصيد يسمى وحشيا لا بهيمة.
وقيل: بهيمة الأنعام الأجنّة التي تخرج عند الذبح من بطون الأنعام فهي تؤكل من دون [ذكاة] «١».
وعلى القول الأول- أعني تخصيص الأنعام بالإبل والبقر والغنم- تكون الإضافة بيانية، ويلحق بها ما يحل مما هو خارج عنها بالقياس، بل وبالنصوص التي في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً... الآية، [الأنعام: ١٤٥].
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يحرم كل ذي ناب من السبع، ومخلب من الطير» «٢»، فإنه يدل بمفهومه على أن ما عداه حلال وكذلك سائر النصوص الخاصة بنوع، كما في كتب السنة المطهرة.
إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ: استثناء من قوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أي إلا مدلول ما يتلى عليكم فإنه ليس بحلال.
والمتلوّ: هو ما نص الله على تحريمه، نحو قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ... الآية [المائدة: ٣]، وذلك عشرة أشياء، أولها الميتة، وآخرها المذبوح على النّصب، ويلحق به ما صرحت السّنة بتحريمه، وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون المراد به، إلا ما يتلى عليكم الآن، ويحتمل أن يكون المراد به في مستقبل الزمان، فيدل على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ويحتمل الأمرين جميعا.
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ: ذهب البصريون إلى أن قوله هذا استثناء آخر من قوله:
بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ والتقدير: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم، إلا الصيد وأنتم
(٢) حديث صحيح: رواه مسلم (١٣/ ٨٣). عن ابن عباس مرفوعا.
ورواه البخاري (٩/ ٦٥٧)، (١٠/ ٢٤٩)، ومسلم (١٣/ ٨١، ٨٣) عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا، نحوه.