وقوله: مِنَ الْمُؤْمِناتِ: وصف له، والخبر محذوف، أي حل لكم، وذكرهن هنا توطئة وتمهيدا لقوله:
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: المراد بهن الحرائر دون الإماء، هكذا قال الجمهور.
وحكى ابن جرير «١» عن طائفة من السلف: أن هذه الآية تعم كل كتابية حرة أو أمة.
وقيل: المراد بأهل الكتاب الإسرائيليات وبه قال الشافعي وهذا تخصيص بغير مخصص.
وقال عبد الله بن عمر: لا تحل النصرانية قال: ولا أعلم شركا أكبر من أن تقول:
ربها عيسى! وقد قال الله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ... الآية [البقرة: ٢٢١].
ويجاب عنه بأن هذه الآية مخصصة للكتابيات من عموم المشركات، فيبنى العام على الخاص، وقد استدل من حرم نكاح الإماء الكتابيات بهذه الآية، لأنه حملها على الحرائر، ولقوله تعالى: فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [النساء: ٢٥].
وقد ذهب إلى هذه كثير من أهل العلم، وخالفهم من قال: إن الآية تعم أو تخص العفائف، كما تقدم.
والحاصل: أنه يدخل تحت هذه الآية الحرة العفيفة من الكتابيات على جميع الأقوال، إلا على قول ابن عمر في النصرانية، ويدخل تحتها الحرة التي ليست بعفيفة، والأمة العفيفة، على قول من يقول إنه يجوز استعمال المشرك في كلا معنييه.
وأما من لم يجوّز ذلك فإن حمل المحصنات هنا على الحرائر، لم يقل بجواز نكاح الأمة عفيفة كانت أو غير عفيفة إلا بدليل آخر، ويقول بجواز نكاح الحرة عفيفة كانت أو غير عفيفة، وإن حمل المحصنات هنا على العفائف، قال بجواز نكاح الحرة العفيفة والأمة العفيفة دون غير العفيفة منها. ومذهب الإمام أبي حنيفة جواز نكاح الأمة الكتابية أخذا بعموم الآية «٢».

(١) انظر: الطبري (٦/ ١٠٥، ١٠٧).
(٢) قال الرازي: «وعلى هذا البحث وقع الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة. فعند الشافعي لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية: قال: لأنه اجتمع في حقها نوعان من النقصان: الكفر والرّق.


الصفحة التالية
Icon