قال القرطبي في «تفسيره» «١» : ولا خلاف بين أهل العلم في أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود. انتهى.
ومعنى قوله مترتب أي ثابت.
وقيل: المراد بمحاربة الله المذكورة في الآية: هي محاربة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومحاربة المسلمين في عصره، ومن بعد عصره بطريق العبارة، دون الدلالة ودون القياس، لأن ورود النص ليس بطريق خطاب المشافهة حتى يختص حكمه بالمكلفين عند النزول، فيحتاج في تعميم الخطاب لغيرهم إلى الدليل.
وقيل: إنها جعلت محاربة الله ولرسوله، إكبارا لحربهم وتعظيما لأذيتهم لأن الله سبحانه لا يحارب ولا يغالب.
والأولى: أن تفسر محاربة الله سبحانه بمعاصيه، ومخالفة شرائعه ومحاربة الرسول تحمل على معناها الحقيقي، وحكم أمته حكمه وهم السوية.
والسعي في الأرض فسادا: يطلق على أنواع من الشر كما قدمنا قريبا.
قال ابن كثير في «تفسيره» «٢» : قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب: إن فرض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، وقد قال تعالى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) [البقرة: ٢٠٥]. انتهى.
إذا تقرر لك ما قررناه من عموم الآية، ومن معنى المحاربة، والسعي في الأرض فسادا، فاعلم أن ذلك يصدق على كل من وقع منه ذلك، سواء كان مسلما أو كافرا، في مصر أو غير مصر، في كل قليل وكثير وجليل وحقير، وإن حكم الله في ذلك هو ما ورد في هذه الآية من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض، ولكن لا يكون هذا حكم من فعل أي ذنب من الذنوب، بل من كان ذنبه هو التعدي على دماء العباد وأموالهم فيما عدا ما قد ورد له حكم غير هذا الحكم، من كتاب الله، أو سنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كالسرقة وما يجب فيه القصاص، لأنا نعلم أنه قد كان في زمنه صلّى الله عليه وآله وسلّم من يقع منه ذنوب ومعاصي غير ذلك، ولا يجري عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا الحكم المذكور في هذه الآية، وبهذا يعرف ضعف ما روي عن مجاهد، في تفسير المحاربة

(١) انظره في (٦/ ١٥٠).
(٢) انظره في (٢/ ٥٠).


الصفحة التالية
Icon