وحكي عن الشافعي أنهم يخرجون من بلد إلى بلد ويطلبون لتقام عليهم الحدود، وبه قال الليث بن سعد «١».
وروي عن مالك أن ينفى من البلد الذي أحدث فيه إلى غيره، ويحبس فيه كالزاني. ورجحه ابن جرير والقرطبي «٢».
وقال الكوفيون نفيهم سجنهم، فينفى من سعة الدنيا إلى ضيقها.
والظاهر من الآية أنه يطرد من الأرض التي وقع فيها ما وقع، من غير سجن ولا غيره، والنفي قد يقع لمعنى الإهلاك، وليس هو مرادا هنا.
ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا: الإشارة إلى ما سبق ذكره من الأحكام.
والخزي: الذّل والفضيحة.
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤) استثنى الله سبحانه التائبين، قبل القدرة عليهم، من عموم المعاقبين بالعقوبات السابقة.
والظاهر عدم الفرق بين الدماء والأموال وبين غيرها من الذنوب الموجبة للعقوبات المعينة المحدودة، فلا يطالب التائب قبل القدرة بشيء من ذلك، وعليه عمل الصحابة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يسقط القصاص وسائر حقوق الآدميين بالتوبة قبل القدرة. والحق الأول.
وأما التوبة بعد القدرة فلا تسقط بها العقوبة المذكورة في الآية، كما يدل عليه ذكر قيد: قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا.
قال القرطبي: وأجمع أهل العلم على أن السلطان وليّ من حارب فإن قتل محارب أخا [امرأ أو أباه في حال] «٣» المحاربة فليس إلى طالب الدم من أمر المحاربة شيء، ولا يجوز عفو وليّ الدم.

(١) انظر: ترشيح المستعيدين (ص ٣٨٨).
(٢) انظر: جامع الأمهات (ص ٥٢٣)، والقرطبي (٦/ ١٥٢، ١٥٣)، والطبري (٦/ ٢١٧، ٢١٨).
(٣) وقع في «المطبوعة» [امرئ وآتاه في حال] وهو خطأ ظاهر، وصوّب من القرطبي (٦/ ١٥٦).


الصفحة التالية
Icon