وقد استدل به على أن حكّام المسلمين مخيرون بين الأمرين.
وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم.
واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم: فذهب قوم إلى التخيير، وذهب آخرون إلى الوجوب، وقالوا: إن هذه الآية منسوخة بقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة: ٤٩]، وبه قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي، وهو الصحيح من قول الشافعي، وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء «١».
[الآية الثانية عشرة]
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤)... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥).
... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧).
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ لفظ (من) من صيغ العموم، وتفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة، بل لكل من ولي الحكم. وقيل: إنها مختصة بأهل الكتاب «٢».
واختلف العلماء في هذه الآية أمنسوخة هي أم محكمة؟ ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٢٨)، والإيضاح لمكي (٢٣٤)، والنكت للماوردي (١/ ٤٦٨). والمصفّى لابن الجوزي (٢٠٤)، وزاد المسير (٢/ ٣٦١)، والقرطبي (٦/ ١٨٥)، والدر المنثور (٢/ ٢٨٤)، والبصائر للفيروزآبادىّ (١/ ١٨٠)، وابن العربي (٢/ ٢٠١).
(٢) انظر: زاد المسير (٢/ ٣٦٦)، وابن كثير (٢/ ٥٩).