الفصاحة لما في ذلك من الشناعة على الفار والذم له.
إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ: التحرف: الزوال عن جهة الاستواء والمراد به هنا التحرف من جانب إلى جانب في المعركة، طلبا لمكايد الحرب، وخدعا للعدو، كمن يوهم أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه ويتمكن منه، ونحو ذلك من مكايد الحرب فإن «الحرب خدعة» «١» كما في الحديث.
أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ: أي إلى جماعة من المسلمين، غير الجماعة المقابلة للعدو، وانتصاب متحرفا أو متحيزا على الاستثناء من المولين، أي: ومن يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا، ويجوز انتصابهما على الحال، ويكون حرف الاستثناء لغوا لا عمل له.
فَقَدْ باءَ: جزاء الشرط.
والمعنى: من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع بِغَضَبٍ كائن، مِنَ اللَّهِ:
إلا المتحرف والمتحيز.
[الآية الرابعة]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨).
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا: أمر الله سبحانه رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقول للكفار هذا المعنى سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها.
قال ابن عطية: ولو كان كما قال الكسائي إنه في مصحف عبد الله بن مسعود: قل للذين كفروا إن تنتهوا- يعني بالفوقية- لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها.
قال في «الكشاف» «٢» : أي قل لأجلهم هذا القول، وهو: إن ينتهوا. ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل: إن تنتهوا يغفر لكم وهي قراءة ابن مسعود ونحوه.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [الأحقاف: ١١] خاطبوا به

(١) حديث صحيح: رواه البخاري (٦/ ١٥٨)، ومسلم (١٢/ ٤٤، ٤٥) عن أبي هريرة وجابر مرفوعا.
(٢) انظر: تفسير الكشاف للزمخشري (٢/ ٢١٩).


الصفحة التالية
Icon