أن يعطيها ويسلم نفسه للقصاص، كما روي عن مالك أنه يثبت الخيار للقاتل في ذلك.
وذهب من عداه إلى أنه لا يخير إلا إذا رضي الأولياء بالدية، فلا خيار للقاتل وليتبع بالمعروف. وقيل: إن المراد بذلك أن من فضل له من الطائفتين على الأخرى شىء من الديات، فيكون عفي بمعنى فضل. وعلى جميع التقادير فتنكير شَيْءٌ للتقليل فيتناول العفو عن الشيء اليسير من الدية والعفو الصادر عن فرد من أفراد الورثة.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم. فنزلت هذه الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي نحوه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس قال: كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله تعالى: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «١» فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستوين في العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي مالك قال: كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول فكأنهم طلبوا الفضل فجاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليصلح بينهم فنزلت هذه الآية الْحُرُّ بِالْحُرِّ «٢» قال ابن عباس: فنسختها النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم- وصححه- والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ قال: هو العمد رضي أهله بالعفو فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ أمر به الطالب، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ من القاتل، قال: يؤدي المطلوب بإحسان «٣»،

(١) انظر تفسير الطبري [٢/ ١٠٨- ١٠٩].
(٢) أخرجه ابن جرير في التفسير [٢/ ١٠٩] ح [٢٥٧٢].
(٣) أخرجه الطبري في التفسير [٢/ ١١٢] ح [٢٥٨١] والحاكم في المستدرك [٢/ ٢٧٣] وصححه والبيهقي في السنن الكبرى [٨/ ٥٢].


الصفحة التالية
Icon