ومعنى الآية- على هذا- وجوب الإمساك عن قتال من لا عهد له من المشركين في هذه الأشهر الحرم، وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين بعهدهم يوم النحر، فكان الباقي من الأشهر الحرم التي هي الثلاثة المسرودة خمسين يوما تنقضي بانقضاء شهر المحرم، فأمرهم الله بقتل المشركين حيث يوجدون من حل أو حرم، وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الضحاك. وروي عن ابن عباس واختاره ابن جرير «١».
وقيل: المراد بها شهور العهد المشار إليه بقوله: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ، وسميت حرما لأن الله سبحانه حرم على المسلمين فيها دماء المشركين والتعرض لهم.
وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم منهم: مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب.
وقيل: هي الأشهر المذكورة في قوله: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وقد روي ذلك عن ابن عباس وجماعة، ورجّحه ابن كثير، وحكاه عن مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم «٢».
ومعنى وَخُذُوهُمْ: الأسر فإن الأخيذ هو الأسير.
ومعنى وَاحْصُرُوهُمْ منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم.
وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ: هو الموضع الذي يرقب فيه العدو.
وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم لكل مشرك، لا يخرج عنها إلا من خصته السنة، كالمرأة والصبي والعاجز الذي لا يقاتل وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية على فرض تناول المشركين لهم.
وهذه الآية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذاهم.
وقال الضحاك وعطاء والسدي: هي منسوخة بقوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد: ٤]، وأن الأسير لا يقتل صبرا، بل يمن عليه أو يفادى.
(١) انظر: زاد المسير (٣/ ٣٩٨).
(٢) انظر: الطبري (١٠/ ٥٦)، وزاد المسير (٣/ ٣٩٩)، القرطبي (٨/ ٧٧)، والدر (٣/ ٢١٣).