تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف: ٧٩]، فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر، وربما ساوت جملة من المال، ويؤيده تعوذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من الفقر «١» مع قوله: «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا» «٢».
وإلى هذا ذهب الأصمعي وغيره من أهل اللغة، وحكاه الطحاوي عن الكوفيين، وهو أحد قولي الشافعي، وإليه ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك، وبه قال أبو يوسف.
وقال قوم: الفقير: المحتاج للتعفف والمسكين: السائل. قاله الأزهري واختاره ابن شعبان، وهو مروي عن ابن عباس. وقد قيل غير هذه الأقوال مما لا يأتي الاستكثار منه بفائدة يعتد بها.
والأولى في بيان ماهيّة المسكين ما ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «ليس المسكين بهذه الطّواف، الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا» «٣».
واعلم أن الفقير المكفي بنفقته ممن تلزمه نفقته، وكذا الزوجة المكفية بنفقة زوجها لا يعطيان... وانظر: (الكفاية للحصني ص ١٩٠، ١٩١).
(١) حديث صحيح: رواه البخاري (١١/ ٧٦)، ومسلم (١٧/ ٢٨، ٢٩)، عن عائشة مرفوعا. وما رواه أبو داود (١٥٤٤)، والنسائي (٨/ ٢٦١)، وأحمد في «المسند» (٢/ ٣٠٥، ٣٢٥، ٣٥٤)، والبخاري في «الأدب المفرد» (٦٧٨)، عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وكلا الحديثين فيهما تعوّذه صلّى الله عليه وآله وسلّم من الفقر. أعاذنا الله منه.
(٢) حديث حسن: رواه ابن ماجة (٤١٢٦)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (١٠٠٢) عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
وفيه يزيد بن سنان، ضعفوه.
وله شاهد من حديث أنس وعبادة كما رواهما البيهقي في «الكبرى» (٧/ ١٢).
(٣) حديث صحيح: رواه البخاري (٣/ ٣٤٠)، ومسلم (٧/ ١٢٩)، واللفظ له، وأبو داود (١٦٣١)،