ولا ريب، فكل من أمروه ابتداء أن يدخل في شيء من الأعمال التي أمرها إليهم- مما لم يكن من معصية الله كالمناصب الدينية ونحوها- إذا وثق من نفسه بالقيام إلى ما وكل إليه فذلك واجب عليه، فضلا عن أن يقال جائز له.
وأما ما ورد من النهي عن الدخول في الإمارة، فذلك مقيد بعدم وقوع الأمر ممن تجب طاعته من الأئمة والسلاطين والأمراء، جمعا بين الأدلة أو مع ضعف المأمور عن القيام بما أمر به، كما ورد تعليل النهي عن الدخول في الإمارة بذلك في بعض الأحاديث الصحيحة «١».
وأما مخالطتهم والدخول عليهم لجلب مصلحة عامة أو خاصة، أو دفع مفسدة عامة أو خاصة، مع كراهة ما هم عليه من الظلم وعدم ميل النفس إليها، ومحبتها لهم، وكراهة الموصلة لهم- لولا جلب تلك المصلحة، أو دفع تلك المفسدة- فعلى فرض صدق مسمى الركون على هذا فهو مخصص بالأدلة الدالة على مشروعية جلب المصالح ودفع المفاسد، والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، ولا تخفى على الله خافية.
وبالجملة: فمن ابتلي بمخالطة من فيه ظلم، فعليه أن يزن أقواله وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع، فإن زاغ عن ذلك فعلى نفسها براقش تجني، ومن قدر على الفرار منهم، قبل أن يؤمر من جهتهم بأمر يجب عليه طاعته فهو الأولى والأليق به.
يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين، اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الذين لا يخافون فيك لومة لائم وقوّنا على ذلك، ويسره لنا، وأعنا عليه.
قال القرطبي في «تفسيره» «٢» : وصحبة الظالم على التقيّة مستثناه من النهي بحال الاضطرار. انتهى.
وقال النيسابوري في «تفسيره» «٣» : قال المحققون: الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة، أو تحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك
(٢) انظره في (٩/ ١٠٨).
(٣) المسمّى بالتيسير في عالم «التفسير» لعبد الملك بن هوازن- طبع بدار الغرب- بيروت ٣ مجلدات.