[الآية الثانية]

وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤).
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ: وهي أيمان البيعة.
قال الواحدي: قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله:
فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها: من المبالغة، وبما في قوله:
وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام، وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، هي سبب نزول هذه الآية، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال جماعة من المفسرين: إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير، أعني قوله: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النحل: ٩١] إلى قوله: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ [النحل: ٩٢] الآية.
والمراد بالتوكيد التشديد والتغليظ والتوثيق، وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالإيمان المؤكدة، ولا يغيرها مما لا تأكيد فيه، فإن تحريم النقض يتناول الجميع، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يؤكد
فاتخذتم منه الخمر التي حرّم الله، وإذا قلنا: أن المنة وقعت بالخمر، فحينئذ يكون النسخ، ولا أقول به ولا أصوبه لقائله فإنه لو أراد الخمر لصرّح باسمها، وكان أولى من أن يقول ذلك بلفظ السكر المذموم، والمنّة لا تقع بمكروه، وما يذهب العقل لا يقع فيه مدح ولم يكن السكر محللا في ملة وسكت الله عنه مدة في صدر الإسلام لفساد جميعه ودعاء قليله إلى كثيرة فسكت عنه إلى أن رأوا فساده واستدعوا تحريمه، فجاء كما أرادوا مع هذا كله، فقد تهافتوا عليه تهافت الفراش وسقطوا فيه سقوط الذّباب اه.
وانظر فيما يتعلق بهذه الآية من أقوال أهل العلم والتفسير: «الناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢/ ٢٨٠، ٢٨١)، والأحكام له (٣/ ١١٤١)، والنحاس (١٧٩)، وزاد المسير (١٠/ ٤٦٤)، والمصفّى (٢٠٨)، والقرطبي (١٠/ ١٢٨)، وابن البارزي (٢٩٦)، والبصائر (١/ ٢٨٠).


الصفحة التالية
Icon