والمواقيت: جميع الميقات وهو الوقت، وقد جعل بعض علماء المعاني هذا الجواب- أعني قوله قُلْ هِيَ مَواقِيتُ- من الأسلوب الحكيم: وهو تلقي المخاطب بغير ما يرتقب تنبيها على أنه الأولى بالقصد.
ووجه ذلك أنهم سألوا عن أجرام الأهلة باعتبار زيادتها ونقصانها فأجيبوا بالحكمة التي كانت الزيادة والنقصان لأجلها، لكون ذلك أولى [بأن] «١» يقصد السائل، وأحق بأن يتطلع لعلمه، وأن الأنصار كانوا إذا حجوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام حجه لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل، فكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم.
وقال أبو عبيدة [إن] «٢» هذا ضرب [من] ضرب المثل. والمعنى: ليس البر أن تسألوا الجهال ولكن البرّ التقوى، وأن تسألوا العلماء، كما تقول: أتيت هذا الأمر من بابه. وقيل: هو مثل في جماع النساء وأنهم أمروا بإتيانهن في القبل لا في الدبر، وقيل:
غير ذلك.
[الآية السابعة عشرة] وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠).
لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعا قبل الهجرة لقوله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ [المائدة: ١٣]، وقوله: وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (١٠) [المزمل: ١٠]، وقوله:
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) [الغاشية: ٢٢]، وقوله: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [المؤمنون: ٩٦]، ونحو ذلك مما أنزل بمكة. فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال ونزلت هذه الآية، وقيل: إن أول ما نزل قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج: ٣٩] فلما نزلت الآية كان صلّى الله عليه وآله وسلّم يقاتل من قاتله ويكفّ عمن كفّ عنه حتى نزل قوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٥]، وقوله تعالى: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: ٣٦]. قيل: إنه نسخ بها سبعون آية.
(٢) ما بين المعكوفين سقط من المطبوع وهو مستدرك من فتح القدير [١/ ١٨٩].