ويجاب عن هذه المعارضة بأن رتبة الأولاد، بالنسبة إلى الآباء، لا تنقص عن رتبة الآباء بالنسبة إلى الأولاد بل للآباء مزيد خصوصية في أموال الأولاد لحديث: «أنت ومالك لأبيك» «١»، وحديث: «ولد الرجل من كسبه» «٢».
ثم قد ذكر الله سبحانه هنا بيوت الإخوة والأخوات، بل الأعمام والعمات، بل الأخوال والخالات، فكيف ينفي سبحانه الحرج عن الأكل من بيوت هؤلاء ولا ينفيه عن بيوت الأولاد؟! وقيد بعضهم جواز الأكل من بيوتهم كلهم بالإذن منهم.
وقال آخرون: ولا يشترط الإذن. قيل: وهذا إذا كان الطعام مبذولا وإن كان محرزا دونهم لهم أكله.
ثم قال سبحانه: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ: أي البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أربابها وذلك كالوكلاء والعبيد والخزان فإنهم يملكون التصرف في بيوت من أذن لهم بدخول بيته وأعطاهم مفتاحه. وقيل: المراد بها بيوت المماليك.
والمفاتح: جميع مفتح «٣».
أَوْ صَدِيقِكُمْ: وإن لم يكن بينكم وبينه قرابة فإن الصديق في الغالب يسمح لصديقه بذلك وتطيب به نفسه، والصديق يطلق على الواحد والجمع.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً: جمع شتّ بمعنى التفرق يقال: شت القوم أي تفرقوا. وهذه الجملة كلام مستأنف مشتمل على بيان حكم آخر من جنس ما قبله، أي ليس عليكم جناح أن تأكلوا مجتمعين أو مفترقين.

(١) حديث صحيح: رواه ابن ماجة (٢٢٩١)، والطحاوي في «الشرح» (٤/ ١٥٨)، (٦١٥٠)، وفي «المشكل» (٢/ ٢٣٠) وانظر: تخريجنا له في «بر الوالدين» للطرطوشي- ط- دار الكتب العلمية- بيروت. [.....]
(٢) حديث صحيح: رواه أحمد (٦/ ٣١، ٤١، ١٢٧، ١٩٣، ٢٠١) وأبو داود (٣٥٢٨)، والترمذي (١٣٥٨)، وابن ماجة (٢٢٩٠)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ٤٠٦، ٤٠٧) والدارمي (٢/ ٢٤٧)، والحاكم (٢/ ٤٦)، وقال أبو عيسى: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح، ووافقه الذهبي.
(٣) انظر: ابن كثير (٦/ ٦٣)، والبحر المحيط (٦/ ٤٧٤)، وروح المعاني (١٨/ ٢١٩)، والقرطبي (١٢/ ٣١٣)، والتسهيل (٣/ ١٥٥).


الصفحة التالية
Icon