كَيْفَ وَيَتَضَمَّنُ مَعْنَى السُّؤَالِ فِي أَكْثَرِ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِهِ فَلِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحَالَةِ كَانَ فِي عِدَادِ الْأَسْمَاءِ لِأَنَّهُ أَفَادَ مَعْنًى فِي نَفْسِهِ إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى الْأَسْمَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ مَعْنًى مُبْهَمًا شَابَهَ مَعْنَى الْحَرْفِ فَلَمَّا أَشْرَبُوهُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ قَوَّى شَبَهَهُ بِالْحُرُوفِ لَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ خَصَائِصِ الْأَسْمَاء فَلذَلِك لَا بُد لَهُ مِنْ مَحَلِّ إِعْرَابٍ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ فَيُعْرَبُ إِعْرَابَ الْحَالِ. وَيُسْتَفْهَمُ بِكَيْفَ عَنِ الْحَالِ الْعَامَّةِ. وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ وَالْإِنْكَارِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً إِلَخْ أَيْ أَنَّ كُفْرَكُمْ مَعَ تِلْكَ الْحَالَةِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِيًا لَا تَرْكَنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ الرَّشِيدَةُ لِوُجُودِ مَا يَصْرِفُ عَنْهُ وَهُوَ الْأَحْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدُ فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُنْكَرَ فَالْإِنْكَارُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَلِذَلِكَ فَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا مِنْ إِرَادَةِ لَازِمِ اللَّفْظِ، وَكَأَنَّ الْمُنْكِرَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ مَعْذِرَةَ الْمُخَاطَبِ فَيُظْهِرُ لَهُ أَنَّهُ يَتَطَلَّبُ مِنْهُ الْجَوَابَ بِمَا يُظْهِرُ السَّبَبَ فَيَبْطُلُ الْإِنْكَارُ وَالْعَجَبُ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْدُ ذَلِكَ كَانَ حَقِيقًا بِاللَّوْمِ وَالْوَعِيدِ.
وَالْكُفْرُ بِضَمِّ الْكَافِ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ لِكَفَرَ الثُّلَاثِيِّ الْقَاصِرِ وَأَصْلُهُ جَحْدُ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ نِعْمَةَ الْمُنْعِمِ، اشْتُقَّ مِنْ مَادَّةِ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ الْحَجْبُ وَالتَّغْطِيَةُ لِأَنَّ جَاحِدَ النِّعْمَةِ قَدْ
أَخْفَى الِاعْتِرَافَ بِهَا كَمَا أَنَّ شَاكِرَهَا أَعْلَنَهَا. وَضِدُّهُ الشُّكْرُ وَلِذَلِكَ صِيغَ لَهُ مَصْدَرٌ عَلَى وِزَانِ الشُّكْرِ وَقَالُوا أَيْضًا كُفْرَانٌ عَلَى وَزْنِ شُكْرَانٍ، ثُمَّ أُطْلِقَ الْكُفْرُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَشَدُّ صُوَرِ كُفْرِ النِّعْمَةِ إِذِ الَّذِي يَتْرُكُ عِبَادَةَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ قَدْ كَفَرَ نِعْمَتَهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ إِذْ تَوَجَّهَ بِالشُّكْرِ لِغَيْرِ الْمُنْعِمِ وَتَرَكَ الْمُنْعِمَ حِينَ عَزْمِهِ عَلَى التَّوَجُّهِ بِالشُّكْرِ وَلِأَنَّ عَزْمَ نَفْسِهِ عَلَى مُدَاوَمَةِ ذَلِكَ اسْتِمْرَارٌ فِي عَقْدِ الْقَلْبِ عَلَى كُفْرِ النِّعْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، فَكَانَ أَكْثَرُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ وَلَمْ يَرِدِ الْكُفْرُ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ. وَقَلَّ وُرُودُ فِعْلِ الْكُفْرِ أَوْ وَصْفِ الْكَافِرِ فِي الْقُرْآنِ لِجَحْدِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ قَرِينَةٌ عَلَى إِرَادَةِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ [الْبَقَرَة:
١٠٥] وَقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [الْمَائِدَة: ٤٤] يُرِيدُ الْيَهُودَ.
وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ فِي السُّنَّةِ وَفِي كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي يُخْرِجُ مُعْتَقِدَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَلَالَةً لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَقَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُ الْكُفْرِ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ عَلَى
فِي هَذَا الشَّأْنِ قَدْ يَلْتَبِسُ بِغَيْرِ التَّنَزُّهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ التَّنَزُّهَ عَنْهُ، مَعَ احْتِمَالِ الْمَحَبَّةِ عَنْهُ لِمَعْنَى التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِمَةِ مِثْلَ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التَّوْبَة: ١٠٨]، وَاحْتِمَالُهَا لِمَعْنَى: وَيُبْغِضُ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ مَا هُوَ كَالدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَجُعِلْنَ حَرْثًا عَلَى احْتِمَالِ وُجُوهٍ فِي الشَّبَهِ فَقَدْ يُقَال: إِنَّهُ وُكِّلَ لِلْمَعْرُوفِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ جُعِلَ شَائِعًا فِي الْمَرْأَةِ، فَلِذَلِكَ نِيطَ الْحُكْمُ بِذَاتِ النِّسَاءِ كُلِّهَا، ثُمَّ قَالَ: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ فَجَاءَ بِأَنَّى الْمُحْتَمِلَةِ لِلْكَيْفِيَّاتِ وَلِلْأَمْكِنَةِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي الْأَمْكِنَةِ وَوَرَدَتْ فِي الْكَيْفِيَّاتِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَرِدُ لِلْأَزْمِنَةِ فَاحْتُمِلَ كَوْنُهَا أَمْكِنَةَ الْوُصُولِ مِنْ هَذَا الْإِتْيَانِ، أَوْ أَمْكِنَةَ الْوُرُودِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مَقْصُودٍ فَهِيَ أَمْكِنَةُ ابْتِدَاءِ الْإِتْيَانِ أَوْ أَمْكِنَةُ الِاسْتِقْرَارِ فَأُجْمِلَ فِي هَذَا كُلِّهِ إِجْمَالٌ بَدِيعٌ وَأُثْنِيَ ثَنَاءٌ حَسَنٌ.
وَاخْتِلَافُ مَحَامِلِ الْآيَةِ فِي أَنْظَارِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ طَوْعُ عِلْمِ الْمُتَأَمِّلِ، وَفِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَمَذَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ لِفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي كُتُبِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكُتُبِ السُّنَّةِ، وَفِي دَوَاوِينِ الْفِقْهِ، وَقَدِ اقْتَصَرْنَا عَلَى الْآثَارِ الَّتِي تَمَّتْ إِلَى الْآيَةِ بِسَبَبِ نُزُولٍ، وَتَرَكْنَا مَا عَدَاهُ إِلَى أَفْهَامِ الْعُقُولِ.
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَوْ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْأَمْرُ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّطَهُّرِ فَكُرِّرَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِالْحِرْصِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى اللَّذَائِذِ الْعَاجِلَةِ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ وَقَدِّمُوا اخْتِصَارًا لِظُهُورِهِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ هُنَا إِعْدَادُ الْحَسَنَاتِ فَإِنَّهَا
بِمَنْزِلَةِ الثَّقَلِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ الْمُسَافِرُ.
وَقَوْلُهُ: لِأَنْفُسِكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ قَدِّمُوا، وَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ أَيْ لِأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ أَيْ لِنَفْعِهَا، وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ تَحْرِيضٌ عَلَى امْتِثَالِ الشَّرْعِ بِتَجَنُّبِ الْمُخَالَفَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ التَّخَلِّي عَنِ السَّيِّئَاتِ وَالتَّحَلِّي بِالْوَاجِبَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، فَمَضْمُونُهَا أَعَمُّ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ فَلِذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ تَذْيِيلًا.
وَذَكَرَ مَنِ اسْتَخَفُّوا بِالْقُرْآنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا أُوحِيَ إِلَيَّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا أَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً تَسْفِيهَ عَقَائِدِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالضَّلَالَةِ مِنْهُمْ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَاضْطِرَابِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَعَ ذَلِكَ تَنْزِيه النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا رَمَوْهُ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ حِينَ قَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَام: ٩١] لِأَنَّ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنَ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ وَادِّعَاءِ الْوَحْيِ بَاطِلًا لَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ مِنْ نَاحِيَةِ قَوْلِ هِرَقْلَ لِأَبِي سُفْيَانَ «وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذْرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ».
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَصْحَابِ هَذِهِ الصِّلَاتِ. وَمَسَاقُهُ هُنَا مَسَاقُ التَّعْرِيضِ بِأَنَّهُمُ الْكَاذِبُونَ إِبْطَالًا لِتَكْذِيبِهِمْ إِنْزَالَ الْكِتَابِ، وَهُوَ تَكْذِيبٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ [الْأَنْعَام: ٩٢] لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يُكَذِّبُونَ بِهِ وَمِنْهُمُ الَّذِي قَالَ: أُوحِيَ إِلَيَّ وَمِنْهُمُ الَّذِي قَالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فِيمَا زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِخِصَالِ جَاهِلِيَّتِهِمْ. وَمِثْلُ هَذَا التَّعْرِيضِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٦٠] قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ الْآيَةَ عَقِبَ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ [الْمَائِدَة: ٥٧] الْآيَةَ.
وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي وَمَنْ أَظْلَمُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ فِي سُورَة الْبَقَرَة [١١٤].
وافتراء: الِاخْتِلَاقُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ
فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١٠٣].
وَمَنْ مَوْصُولَةٌ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ، أَيْ كُلُّ مَنِ افْتَرَى أَوْ قَالَ، وَلَيْسَ
فَرُبَّمَا كَانَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِدُونِ شَرَهِ نَفْسٍ، وَرُبَّمَا خَالَطَهُ بَعْضُ الْقَلَقِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ غَيْرَ شَافٍ، فَأَرَادَ الْخَضِرُ أَنْ يَتَوَلَّى هُوَ بَيَانَ أَعْمَالِهِ فِي الْإِبَّانِ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا لِيَكُونَ الْبَيَانُ أَبْسَطَ وَالْإِقْبَالُ
أَبْهَجَ فَيَزِيدُ الِاتِّصَالَ بَيْنَ الْقَرِينَيْنِ.
وَالذِّكْرُ، هُنَا: ذِكْرُ اللِّسَانِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤٠]. أَعْنِي بَيَانَ الْعِلَلِ وَالتَّوْجِيهَاتِ وَكَشْفَ الْغَوَامِضِ.
وَإِحْدَاثُ الذِّكْرِ: إِنْشَاؤُهُ وَإِبْرَازُهُ، كَقَوْلِ ذِي الرمة:
أحدتنا لِخَالِقِهَا شُكْرَا وَقَرَأَ نَافِع فَلا تَسْئَلْنِي- بِالْهَمْزِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ سَأَلَ الْمَهْمُوزِ مُقْتَرِنًا بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ الْمُدْغَمَةِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ وَبِإِثْبَاتِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ مِثْلَهُ، لَكِنْ بِحَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ الْبَقِيَّة تَسْئَلْنِي- بِالْهَمْزِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ-. وَأَثْبَتُوا يَاء الْمُتَكَلّم.
[٧١]
[سُورَة الْكَهْف (١٨) : آيَة ٧١]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١)
أَيْ فَعَقَّبَ تِلْكَ الْمُحَاوَرَةَ أَنَّهُمَا انْطَلَقَا. وَالِانْطِلَاقُ: الذَّهَابُ وَالْمَشْيُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ ضِدُّ التَّقْيِيدِ، لِأَنَّ الدَّابَّةَ إِذَا حُلَّ عِقَالُهَا مَشَتْ. فَأَصْلُهُ مُطَاوِعُ أَطْلَقَهُ.
وَ (حَتَّى) غَايَةٌ لِلِانْطِلَاقِ. أَيْ إِلَى أَنْ رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ.
وَ (حَتَّى) ابْتِدَائِيَّةٌ، وَفِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ. أَصْلُ الْكَلَامِ: حَتَّى اسْتَأْجَرَا سَفِينَةً فَرَكِبَاهَا فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا.
وَتَقَدَّمَتِ الْغُرْفَةُ فِي آخِرَ سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٧٥].
وَمَعْنَى مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ أَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِاعْتِلَاءِ غَرْفٍ عَلَيْهَا وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ لَامِ الِاخْتِصَاصِ، فَالْغُرَفُ الَّتِي فَوْقَ الْغُرَفِ هِيَ لَهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ تَابِعٌ لَهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْهَوَاءِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ. فَالْمَعْنَى: لَهُمْ أَطْبَاقٌ مِنَ الْغُرَفِ، وَذَلِكَ مُقَابِلُ مَا جُعِلَ لِأَهْلِ النَّارِ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر: ١٦].
وَخُولِفَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ: فَجُعِلَ لِلْمُتَّقِينَ غُرَفٌ مَوْصُوفَةٌ بِأَنَّهَا فَوْقَهَا غُرَفٌ، وَجُعِلَتْ لِلْمُشْرِكِينَ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ، وَعُطِفَ عَلَيْهَا أَنَّ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمُتَّقِينَ مُتَنَعِّمُونَ بِالتَّنَقُّلِ فِي تِلْكَ الْغُرَفِ، وَإِلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَحْبُوسُونَ فِي مَكَانِهِمْ، وَأَنَّ الظَّلَلَ مِنَ النَّارِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِهِمْ لِتَتَظَاهَرَ الظُّلَلُ بِتَوْجِيهِ لَفْحِ النَّارِ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ.
وَالْمَبْنِيَّةُ: الْمَسْمُوكَةُ الْجُدْرَانِ بِحَجَرٍ وَجَصٍّ، أَوْ حَجَرٍ وَتُرَابٍ، أَوْ بِطُوبٍ مُشَمَّسٍ ثُمَّ تُوضَعُ عَلَيْهَا السَّقْفُ، وَهَذَا نَعْتٌ لِغُرَفٍ الَّتِي فَوْقَهَا غُرَفٌ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْغُرَفَ الْمُعْتَلَى عَلَيْهَا مَبْنِيَّةٌ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى. وَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُفَسِّرُونَ فِي وَجْهِ وَصْفِ الْغُرَفِ مَعَ أَنَّ الْغُرْفَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ بِنَاءٍ، وَلَمْ يَذْهَبُوا إِلَى أَنَّهُ وَصَفٌ كَاشِفٌ وَلَهُمُ الْعُذْرُ فِي ذَلِكَ لِقِلَّةِ جَدْوَاهُ فَقِيلَ ذِكْرُ الْمَبْنِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا غرف حَقِيقَة لَا أَشْيَاءَ مُشَابَهَةُ الْغُرَفِ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الظُّلَلِ الَّتِي جُعِلَتْ لِلَّذِينَ خَسِرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنْ ظُلَلَهُمْ كَانَتْ مِنْ نَارٍ فَلَا يَظُنُّ السَّامِعُ أَنَّ غُرَفَ الْمُتَّقِينَ مَجَازٌ عَنْ سَحَابَاتٍ مِنَ الظِّلِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الدَّاعِي إِلَى الْمَجَازِ هُنَا بِخِلَافِهِ هُنَالِكَ لِأَنَّهُ اقْتَضَاهُ مَقَامَ التَّهَكُّمِ.
وَقَالَ فِي «الْكَشَّاف» : مَبْنِيَّةٌ مِثْلُ الْمَنَازِلِ اللَّاصِقَةِ لِلْأَرْضِ، أَيْ فَذكر الْوَصْف تمهيد لِقَوْلِهِ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ الْأَنْهَارَ لَا تَجْرِي إِلَّا تَحْتَ الْمَنَازِلِ السُّفْلِيَّةِ أَيْ لَمْ يَفُتِ الْغُرَفَ شَيْءٌ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَنَازِلِ السُّفْلِيَّةِ.
وَقِيلَ: أُرِيدَ أَنَّهَا مُهَيَّأَةٌ لَهُمْ مِنَ الْآنَ. فَهِيَ مَوْجُودَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْمَفْعُولِ كَاسْمِ
وَعَبَّرَ بِالسَّيِّئَاتِ عَنْ جَزَائِهَا إِشَارَةً إِلَى تَمَامِ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَجَزَائِهِ حَتَّى جُعِلَ الْجَزَاءُ نَفْسَ الْعَمَلِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التَّوْبَة: ٣٥].
وَمَعْنَى حاقَ أَحَاطَ.
وَمَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يَعُمُّ كُلَّ مَا كَانَ طَرِيقَ اسْتِهْزَاءٍ بِالْإِسْلَامِ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الصَّادِرَةِ عَنِ اسْتِهْزَاءٍ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: ٣٢].
وَقَول العَاصِي بْنِ وَائِلٍ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا فِي الْآخِرَةِ فَأَقْضِي مِنْهُ دَيْنَكَ. وَمِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي جَعَلُوهَا هُزُؤًا مِثْلَ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَشَجَرَةِ الزَّقُّومِ وَهُوَ مَا عُبِّرَ عَنْهُ آنِفًا بِ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا. وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْمَوْصُولِيَّةِ لِأَنَّ فِي الصِّلَةِ تَغْلِيطًا لَهُمْ وَتَنْدِيمًا عَلَى مَا فَرَّطُوا مِنْ أَخْذِ الْعُدَّةِ لِيَوْمِ الْجَزَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ عَبدة بن الطّيب:
إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ إِخْوَانَكُمْ | يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أَنْ تُصْرَعُوا |
وَالْبَاءُ فِي بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى السَّبَبِيَّةِ وَعَلَى تَعديَة فعل يَسْتَهْزِؤُنَ إِلَى مَا لَا يَتَعَدَّى إِلَيْهِ أَي الْعَذَاب.
[٣٤، ٣٥]
[سُورَة الجاثية (٤٥) : الْآيَات ٣٤ إِلَى ٣٥]
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥)
لَمَّا أُودِعُوا جَهَنَّمَ وَأَحَاطَتْ بِهِمْ نُودُوا الْيَوْمَ نَنْساكُمْ إِلَى آخِرِهِ تَأْيِيسًا لَهُمْ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ.
وَبُنِيَ فِعْلُ قِيلَ لِلنَّائِبِ حَطًّا لَهُمْ عَنْ رُتْبَةِ أَنْ يُصَرَّحَ بِاسْمِ اللَّهِ فِي حِكَايَةِ الْكَلَامِ الَّذِي وَاجَهَهُمْ بِهِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ آنِفًا وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [الجاثية: ٣٢]
لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَمَّا يَجُولُ فِي خَوَاطِرِ كَثِيرٍ مِنَ السَّامِعِينَ مِنْ أَنَّهُمْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْإِنْفَاقِ غَيْرَ نَاوِينَ تَرْكَهُ وَلَكِنَّهُمْ سَيَتَدَارَكُونَهُ.
وَأُدْمِجَ فِيهِ تَفْضِيلُ جِهَادِ بَعْضِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى بَعْضٍ لِمُنَاسَبَةِ كَوْنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَشْمَلُ إِنْفَاقَ الْمُجَاهِدِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعُدَّةِ وَالزَّادِ وَإِنْفَاقَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ عُدَّتَهُ وَلَا زَادَهُ، وَلِأَنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْفَاقَ، فَأُرِيدَ أَنْ لَا يُغْفِلَ ذِكْرَهُ فِي عِدَادِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ إِذِ الْإِنْفَاقُ فِيهَا وَسِيلَةٌ لَهَا.
وَظَاهِرُ لَفْظِ الْفَتْحِ أَنَّهُ فَتْحُ مَكَّةَ فَإِنَّ هَذَا الْجِنْسَ الْمُعَرَّفَ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى فَتْحِ مَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنْفِقُونَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْمُجَاهِدُونَ قَبْلَهُ أَعْظَمَ دَرَجَةً فِي إِنْفَاقِهِمْ وَجِهَادِهِمْ لِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ كَانَ زَمَانَ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ كَانُوا أَكْثَرَ الْعَرَبِ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ دَخَلَتْ سَائِرُ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ فِي الْإِسْلَامِ فَكَانَ الْإِنْفَاقُ وَالْجِهَادُ فِيمَا قَبْلَ الْفَتْحِ أَشَقَّ عَلَى نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ لِقِلَّةِ ذَاتِ أَيْدِيهِمْ وَقِلَّةِ جَمْعِهِمْ قُبَالَةَ جَمْعِ الْعَدُوِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا أَمَامَ الْعَدُوِّ إِذَا كَانَ عَدَدُ الْعَدُوِّ عَشْرَةَ أَضْعَافِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ قَالَ تَعَالَى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الْأَنْفَال: ٦٥].
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْفَتْحِ: صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ. وَيُؤَيِّدهُ مَا
رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ»
وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِكَوْنِ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضُهَا مَكِّيٌّ وَبَعْضُهَا مَدَنِيٌّ فَيَقْتَضِي أَنَّ مَدَنِيَّهَا قَرِيبُ عَهْدٍ مِنْ مُدَّةِ إِقَامَتِهِمْ بِمَكَّةَ، وَإِطْلَاقُ الْفَتْحِ عَلَى صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَارِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
[الْفَتْح: ١].
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الرّوم: ٥٨]. وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ بِاللَّامِ على الْمَفْعُول لِلِاهْتِمَامِ بِإِيقَاظِ الَّذِينَ كَفَرُوا.
فَمَعْنَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ حَالَةَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ عِظَةً وَتَنْبِيهًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ لِيُذَكِرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَصْرِفُهُ عَنْ وَعِيدِهِ صَارِفٌ فَلَا يَحْسَبُوا أَنَّ لَهُمْ شُفَعَاءَ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَنَّ مَكَانَهُمْ مِنْ جِوَارِ بَيْتِهِ وَعِمَارَةِ مَسْجِدِهِ وَسِقَايَةِ حَجِيجِهِ تَصْرِفُ غَضَبَ اللَّهِ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَقْلَعُوا عَنْ هَذَا الْحُسْبَانِ أَقْبَلُوا عَلَى التَّدَبُّرِ فِي النَّجَاةِ مِنْ وَعِيدِهِ بِالنَّظَرِ فِي دَلَائِلِ دَعْوَةِ الْقُرْآنِ وَصدق الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كَانَ صَارِفٌ يَصْرِفُ اللَّهَ عَنْ غَضَبِهِ لَكَانَ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِذَلِكَ مَكَانَةَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ زَوْجَيْهِمَا رَسُولَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَمُنَاسِبَةُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِامْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط دون غَيرهمَا مِنْ قُرَابَةِ الْأَنْبِيَاءِ نَحْوَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَابْنِ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِأَنَّ ذِكْرَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ لَمْ يَتَقَدَّمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ نُوحٍ، لِتَكُونَ فِي ذِكْرِهِمَا فَائِدَةٌ مُسْتَجَدَّةٌ، وَلِيَكُونَ فِي ذِكْرِهِمَا عَقِبَ مَا سَبَقَ مِنْ تَمَالُؤِ أُمَّيِ الْمُؤمنِينَ على زَوجهمَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيضٌ لَطِيفٌ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ خَاطِرِ الِاعْتِزَازِ بِغِنَاءِ الصِّلَةِ الشَّرِيفَةِ عَنْهُمَا فِي الْوَفَاءِ بِحَقِّ مَا يَجِبُ مِنَ الْإِخْلَاص للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ الشَّبَهُ فِي التَّمْثِيلِ أَقْوَى. فَعَنْ مُقَاتِلٍ «يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ: لَا تَكُونَا بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ نُوحٍ وَامْرَأَةِ لُوطٍ فِي الْمَعْصِيَةِ وَكُونَا بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمَ». وَوَضَّحَهُ فِي «الْكَشَّافِ» بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّعْرِيضِ. وَمَنَعَهُ الْفَخْرُ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْمَثَلَيْنِ عِبْرَةٌ لزوجات النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَقَدَّمَ عِتَابُهُنَّ. وَفِي هَذَا بُعْدٌ لِأَنَّ النَّصَّ أَنَّهُ لِلْكُفَّارِ يُبْعِدُ هَذَا» اه.
وَيَدْفَعُ اسْتِبْعَادَهُ أَنَّ دَلَالَةَ التَّعْرِيضِ لَا تُنَافِي اللَّفْظَ الصَّرِيحَ، وَمن لطائف التَّقْيِيد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ هُوَ ضَرْبُ الْمَثَلِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ مِنَ الِاحْتِرَاسِ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ التَّمْثِيلَ عَلَى الْمُشَابَهَةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالِاحْتِرَاسُ بِكَثْرَةِ
التَّشْبِيهَاتِ وَمِنْهُ تَجْرِيدُ الِاسْتِعَارَةِ.
وَقِصَّةُ امْرَأَةِ نُوحٍ لَمْ تَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا خَانَتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الطُّوفَانِ وَأَنَّ نُوحًا لَمْ يَعْلَمْ بِخَوْنِهَا لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى عَمَلَهَا خِيَانَةً.
وَقَدْ وَرَدَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنَ التَّوْرَاةِ ذِكْرُ امْرَأَةِ نُوحٍ مَعَ الَّذِينَ رَكِبُوا السَّفِينَةَ
وَصِيغَةُ أَمْشاجٍ ظَاهِرُهَا صِيغَةُ جَمْعٍ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا الْفَرَّاءُ وَابْنُ السِّكِّيتِ وَالْمُبَرَّدُ، فَهِيَ إِمَّا جَمْعُ مِشْجٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ بِوَزْنِ عَدْلٍ، أَيْ مَمْشُوجٍ، أَيْ مَخْلُوطٍ مِثْلَ ذِبْحٍ، وَهَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي «اللِّسَان» و «الْقَامُوس»، أَوْ جَمْعُ مَشَجٍ بِفَتْحَتَيْنِ مِثْلَ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، أَوْ جَمْعُ مَشِجٍ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مِثْلَ كَتِفٍ وَأَكْتَافٍ.
وَالْوَجْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أَنَّ أَمْشاجٍ مُفْرَدٌ كَقَوْلِهِمْ: بُرْمَةُ أَعْشَارٍ وَبُرْدُ أَكْيَاشٍ (بِهَمْزَةٍ وَكَافٍ وَتَحْتِيَّةٍ وَأَلِفٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ الَّذِي أُعِيدَ غَزْلُهُ مَرَّتَيْنِ). قَالَ: «وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَمْشَاجُ جَمْعَ مَشِجٍ بَلْ هُمَا (أَيْ مَشِجٌ وَأَمْشَاجٌ) مِثْلَانِ فِي الْإِفْرَادِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْكَاتِبِينَ: إِنَّهُ خَالَفَ كَلَامَ سِيبَوَيْهِ. وَأَشَارَ الْبَيْضَاوِيُّ إِلَى ذَلِكَ، وَأَحْسَبُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ سِيبَوَيْهِ صَرِيحًا فِي مَنْعِ أَنْ يَكُونَ أَمْشاجٍ مُفردا لِأَن أَثْبَتَ الْإِفْرَادَ فِي كَلِمَةِ أَنْعَامٍ وَالزَّمَخْشَرِيُّ مَعْرُوفٌ بِشِدَّةِ مُتَابَعَةِ سِيبَوَيْهِ.
فَإِذَا كَانَ أَمْشاجٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُفْرَدًا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْجَمْعِ كَمَا فِي «الْكَشَّافِ».
فَوَصْفُ نُطْفَةٍ بِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى تَأْوِيلٍ، وَإِذَا كَانَ جَمْعًا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَرَّاءِ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَالْمُبَرِّدِ، كَانَ وَصْفُ النُّطْفَةِ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ النُّطْفَةُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةِ الْخَوَاصِّ، (فَلِذَلِكَ يَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ النُّطْفَةِ عُضْوًا) فوصف النُّطْفَة يجمع الِاسْمِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ شَدِيدَةِ الِاخْتِلَاطِ.
وَهَذِهِ الْأَمْشَاجُ مِنْهَا مَا هُوَ أَجزَاء كيمائية نَبَاتِيَّةٌ أَوْ تُرَابِيَّةٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ عَنَاصِرُ قُوَى
الْحَيَاةِ.
وَجُمْلَةُ نَبْتَلِيهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْإِنْسَانِ وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ مُرِيدِينَ ابْتِلَاءَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ طَوْرَ الْعَقْلِ وَالتَّكْلِيفِ، وَهَذِهِ الْحَالُ كَقَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدًا بِهِ غَدًا.
وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَالُ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ خَلَقْنَا وَبَيْنَ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ، أَيِ التَّكْلِيفُ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ امْتِثَالُهُ أَوْ عِصْيَانُهُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ هِدَايَتِهِ إِلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقَعَ نَبْتَلِيهِ بَعْدَ جُمْلَةِ إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ [الْإِنْسَان: ٣]، وَلَكِنَّهُ قُدِّمَ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الِابْتِلَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ.
فَيَكُونُ الْمَعْنَى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا. ثُمَّ فُصِّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: فَعَقَرُوها، وَالْعَقْرُ عِنْدَ انْبِعَاثِ أَشْقَاهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى اعْتِبَارِ الظَّرْفِ وَهُوَ: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ.
وَأُعِيدَتْ عَلَيْهِمْ ضَمَائِرُ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَتِ الضَّمَائِرُ قَبْلَهُ مُرَاعًى فِيهَا أَنَّ ثَمُودَ اسْمُ قَبِيلَةٍ.
وَانْتَصَبَ ناقَةَ اللَّهِ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ: احْذَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ: التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يُؤْذُوهَا، فَالْكَلَامُ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالذَّوَاتِ، وَالْمُرَادُ: أَحْوَالُهَا.
وَإِضَافَةُ ناقَةَ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّهَا آيَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِأَنَّ خُرُوجَهَا لَهُمْ كَانَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ.
وَالسُّقْيَا: اسْمُ مَصْدَرِ سَقَى، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى التَّحْذِيرِ، أَيِ احْذَرُوا سَقْيَهَا، أَيِ احْذَرُوا غَصْبَ سَقْيِهَا، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ أُطْلِقَ السُّقْيَا عَلَى الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى مِنْهُ إِطْلَاقًا لِلْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ فَيَرْجِعُ إِلَى إِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى الذَّاتِ. وَالْمُرَادُ: حَالَةٌ تُعْرَفُ مِنَ الْمَقَامِ، فَإِنَّ مَادَّةَ سُقْيَا تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يَسْقُوا إِبِلَهُمْ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي فِي يَوْمِ نَوْبَتِهَا.
وَالتَّكْذِيبُ الْمُعَقَّبُ بِهِ تَحْذِيرُهُ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: ناقَةَ اللَّهِ، تَكْذِيبٌ ثَانٍ وَهُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِمَا اقْتَضَاهُ التَّحْذِيرُ مِنَ الْوَعِيدِ. وَالْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ إِنْ لَمْ يَحْذَرُوا الِاعْتِدَاءَ عَلَى تِلْكَ النَّاقَةِ، وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي آيَةِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٧٣] فِي قَوْلِهِ: وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ اسْتَقَامَ التَّعْبِيرُ عَنْ مُقَابَلَةِ التَّحْذِيرِ بِالتَّكْذِيبِ مَعَ أَنَّ التَّحْذِيرَ إِنْشَاءٌ، فَالتَّكْذِيبُ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إِلَى مَا فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ.
وَالْعَقْرُ: جَرْحُ الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ لِيَبْرُكَ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْأَلَمِ فَيُنْحَرَ فِي لَبَّتِهِ، فَالْعَقْرُ
كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنِ النَّحْرِ لِتَلَازُمِهِمَا.