مَجَازًا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ التَّوْبِيخَ يُلَازِمُ الِاسْتِفْهَامَ لِأَنَّ مَنْ يَأْتِي مَا يَسْتَحِقُّ التَّوْبِيخَ عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَسَاءَلَ النَّاسُ عَنْ ثُبُوتِ الْفِعْلِ لَهُ وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ فَيَنْتَقِلُ مِنَ السُّؤَالِ إِلَى التَّوْبِيخِ وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَعْنَى التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الْمُوَبَّخِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي وُبِّخُوا عَلَيْهَا حَالَةٌ عَجِيبَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ وَإِهْمَالِ النَّفْسِ مِنْهُ فَحَقِيقٌ بِكُلِّ سَامِعٍ أَنْ يَعْجَبَ مِنْهَا، وَلَيْسَ التَّعَجُّبُ بِلَازِمٍ لِمَعْنَى التَّوْبِيخِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بَلْ فِي نَحْوِ هَذَا مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُوَبَّخُ عَلَيْهِ غَرِيبًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ فَإِذَا اسْتُعْمِلَ الِاسْتِفْهَامُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَكَوْنُهُ مجَازًا مُرْسلا ظَاهر وَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي لَازِمَيْنِ يَتَوَلَّدُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ أَوْ مُتَقَارِبَيْنِ فَهُوَ أَيْضًا مَجَازٌ مُرْسَلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ تَعَدُّدَ اللَّوَازِمِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَ الْعَلَاقَةِ وَلَا تَكَرُّرَ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَجَازِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْعَلَاقَةِ لَا مِنَ الْوَضْعِ فَتَعَدُّدُ الْمَجَازَاتِ لِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْسَعُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ السَّيِّدُ فِي «حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ» فِي بَابِ الْإِنْشَاءِ عَلَاقَتُهُ اللُّزُومُ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي تعْيين علاقته التفتازانيّ وَقَالَ:
إِنَّهُ مِمَّا لَمْ يَحُمْ أَحَدٌ حَوْلَهُ.
وَالْبِرُّ- بِكَسْرِ الْبَاءِ- الْخَيْرُ فِي الْأَعْمَالِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَفِعْلُهُ فِي الْغَالِبِ مِنْ بَابِ عَلِمَ إِلَّا الْبر فِي الْيمن فَقَدْ جَاءَ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَبَابِ ضَرَبَ، وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْمَأْثُورَةِ الْبِرُّ ثَلَاثَةٌ: بِرٌّ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَبِرٌّ فِي مُرَاعَاةِ الْأَقَارِبِ وَبِرٌّ فِي مُعَامَلَةِ الْأَجَانِبِ، وَذَلِكَ تَبَعٌ لِلْوَفَاءِ بِسَعَةِ الْإِحْسَانِ فِي حُقُوقِ هَذِهِ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ.
وَالنِّسْيَانُ ذَهَابُ الْأَمْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ حَافِظَةِ الْإِنْسَانِ لِضَعْفِ الذِّهْنِ أَوِ الْغَفْلَةِ وَيُرَادِفُهُ السَّهْوُ وَقِيلَ السَّهْوُ الْغَفْلَةُ الْيَسِيرَة بِحَيْثُ يتَنَبَّه بِأَقَلِّ تَنْبِيهٍ، وَالنِّسْيَانُ زَوَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ فَسَّرَ النِّسْيَانَ بِمُطْلَقِ التَّرْكِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ «الْأَسَاسِ» مَجَازًا وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَالنِّسْيَانُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلتَّرْكِ عَنْ عَمْدٍ أَوْ عَنِ التَّهَاوُنِ بِمَا يَذْكُرُ الْمَرْءُ فِي الْبِرِّ عَلَى نَحْوٍ مَا. قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون: ٥] أَيْ وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ أَمْرِهَا بِالْبِرِّ أَوْ وَتَنْسَوْنَ أَنْ تَأْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْبِرِّ وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ يَبْقَى النِّسْيَانُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فِي التَّهَاوُنِ بِالتَّخَلُّقِ بِأُمُورِ الدِّينِ وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى تَأْوِيلِ الْوَحْيِ بِمَا يُمْلِيهِ عَلَيْهِمُ الْهَوَى بِغَيْرِ هُدًى صَارُوا يَنْسَوْنَ أَنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ
بِمِثْلِ مَا يَنْهَوْنَ عَنْهُ فَإِذَا تَصَدَّوْا إِلَى مَوَاعِظِ قَوْمِهِمْ أَوِ الْخَطَابَةِ فِيهِمْ أَوْ أَمَرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ كَانُوا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَذَامَّ قَدْ تَلَبَّسُوا بِأَمْثَالِهَا إِلَّا أَنَّ التَّعَوُّدَ بِهَا أَنْسَاهُمْ إِيَّاهَا فَأَنْسَاهُمْ أَمْرَ أَنْفُسِهِمْ بِالْبِرِّ لِنِسْيَانِ سَبَبِهِ
الْمُخْتَلِعَةَ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي دَعَتْ إِلَى الْفُرْقَةِ دُونَ الْمُطَلِّقِ.
وَالَّذِينَ حَمَلُوا الطَّلَبَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْوُجُوبِ، اخْتَلَفُوا فِي مَحْمَلِ الطَّلَبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ قَوْلَهُ بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ لِجَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ ابْن جُبَيْرٍ وَابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الطَّلَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَرْجِعُهُ إِلَى تَأْوِيلِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ:
وَلِلْمُطَلَّقاتِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [الْبَقَرَة: ٢٣٦].
[٢٤٢]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٤٢]
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)
أَيْ كَهَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ، فَالْآيَاتُ هُنَا دَلَائِلُ الشَّرِيعَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣].
[٢٤٣، ٢٤٤]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٢٤٣ إِلَى ٢٤٤]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ وَالتَّذْكِيرِ بِأَنَّ الْحَذَرَ لَا يُؤَخِّرُ الْأَجَلَ، وَأَنَّ الْجَبَانَ قَدْ يَلْقَى حَتْفَهُ فِي مَظِنَّةِ النَّجَاةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّهَا تَمْهِيدٌ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَالْقِتَالُ مِنْ أَهَمِّ أَغْرَاضِهَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ قَوْلُهُ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ. فَالْكَلَامُ رُجُوعٌ إِلَى قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٢١٦] وَفَصَلَتْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ الْآيَاتُ النَّازِلَةُ خِلَالَهُمَا المفتتحة ب يَسْئَلُونَكَ [الْبَقَرَة: ٢١٧، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٢٢].
وَمَوْقِعُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَوْقِعُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ قَبْلَ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْخَطَابَةِ أَنْ يُقَدَّمَ الدَّلِيلُ قَبْلَ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ لِمَقَاصِدَ
كَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ لَمَّا بَلَغَهُ اسْتِيلَاءُ جُنْدِ الشَّامِ عَلَى أَكثر الْبِلَاد، إِذْ افْتَتَحَ الْخُطْبَةَ فَقَالَ: «مَا هِيَ إِلَّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا أُنْبِئْتُ بُسْرًا هُوَ ابْنُ أَبِي أَرْطَاةَ مِنْ قَادَةِ جُنُودِ الشَّامِ قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سُيَدَالُونَ مِنْكُمْ
وَقَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [الْبَقَرَة: ١٠٩] وَقَالَ عَنِ الْقُرْآنِ: هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [الْبَقَرَة: ١٨٥].
ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ بَيَانِيَّةٌ بَيَانٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا.
وَإِنَّمَا قَدَّمَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ هُنَا مَعَ أَنَّ كُفْرَ الْمُشْرِكِينَ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ السَّبْقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَهُمُ الَّذِينَ بَثُّوا بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ شُبْهَةَ انْطِبَاقِ الْبَيِّنَةِ الْمَوْصُوفَةِ بَيْنَهُمْ فَأَيَّدُوا الْمُشْرِكِينَ فِي إِنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ أَتْقَنُ مِنْ تُرَّهَاتِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أُمِّيِّينَ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الرُّسُلِ وَالشَّرَائِعِ، فَلَمَّا صَدَمَتْهُمُ الدَّعْوَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ فَزِعُوا إِلَى الْيَهُودِ لِيَتَلَقَّوْا مِنْهُمْ مَا يَرُدُّونَ بِهِ تِلْكَ الدعْوَة وخاصة بعد مَا هَاجَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَالْمَقْصُودُ بِالْإِبْطَالِ ابْتِدَاءً هُوَ دَعْوَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَتَبَعٌ لَهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ هُنَاكَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهَا جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، أَيْ هِيَ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي لِأَنَّ مَا فِي الْبَيِّنَةِ مِنَ الْإِبْهَامِ يُثِيرُ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ صِفَةِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ، وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا... مُنْفَكِّينَ إِلَى آخِرِهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [الْبَيِّنَة: ٤].
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولٌ بَدَلًا مِنَ الْبَيِّنَةُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ لَفْظِ «بَيِّنَةٍ» فَيَكُونُ مِنْ حِكَايَةِ مَا زَعَمُوهُ. أُرِيدَ إِبْطَالُ مَعَاذِيرِهِمْ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي يَنْتَظِرُونَهَا قَدْ حَلَّتْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَتَدَبَّرُونَ أَوْ لَا يُنْصِفُونَ أَوْ لَا يَفْقَهُونَ، قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [الْبَقَرَة: ٨٩].
وَتَنْكِيرُ رَسُولٌ لِلنَّوْعِيَّةِ الْمُرَادِ مِنْهَا تَيْسِيرُ مَا يَسْتَصْعِبُ كَتَنْكِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيَّاماً
مَعْدُوداتٍ
[الْبَقَرَة: ١٨٤] وَقَوْلِ: المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الْأَعْرَاف: ١، ٢].
وَفِي هَذَا التَّبْيِينِ إِبْطَالٌ لِمَعَاذِيرِهِمْ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَقَدْ جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَةُ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ [الْمَائِدَة: ١٩]، وَهُوَ يُفِيدُ


الصفحة التالية
Icon