وَالْأَهْلُ وَالْآلُ يُرَادُ بِهِ الْأَقَارِبُ وَالْعَشِيرَةُ وَالْمَوَالِي وَخَاصَّةً الْإِنْسَانُ وَأَتْبَاعُهُ.
وَالْمُرَادُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَزَعَتُهُ وَوُكَلَاؤُهُ، وَيَخْتَصُّ الْآلُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذِي شَأْنٍ وَشَرَفٍ دُنْيَوِيٍّ مِمَّنْ يَعْقِلُ فَلَا يُقَالُ آلُ الْجَانِي وَلَا آلُ مَكَّةَ، وَلَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ فِي الدُّنْيَا عَظِيمًا وَكَانَ الْخِطَابُ مُتَعَلِّقًا بِنَجَاةٍ دُنْيَوِيَّةٍ مِنْ عَظِيمٍ فِي الدُّنْيَا أُطْلِقَ عَلَى أَتْبَاعِهِ آلٌ فَلَا تَوَقُّفَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُحْتَاجَ لِتَأْوِيلِهِ بِقَصْدِ التَّهَكُّمِ كَمَّا أُوِّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غَافِر: ٤٦] لِأَنَّ ذَلِكَ حِكَايَةٌ لِكَلَامٍ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِرْعَوْنُ يَوْمَئِذٍ مُحَقَّرٌ، هَلَكَ عَنْهُ سُلْطَانُهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِنْ كَلِمَةَ أَهْلٍ تُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى قَرَابَةِ ذِي الشَّرَفِ لِأَنَّهَا الِاسْم الْمُطلق فَلَمَّا ذَا لَمْ يُؤْتَ بِهَا هُنَا حَتَّى لَا يُطْلَقَ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ مَا فِيهِ تَنْوِيهٌ بِهِمْ؟ قُلْتُ: خُصُوصِيَّةُ لَفْظِ آلٍ هَنَا أَنَّ الْمَقَامَ لِتَعْظِيمِ النِّعْمَةِ وَتَوْفِيرِ حَقِّ الشُّكْر وَالنعْمَة تَعْظِيم بِمَا يحف بِهَا فَالنَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ وَإِنْ كَانَتْ نِعْمَةً مُطْلَقًا إِلَّا أَنَّ كَوْنَ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ ذِي قُدْرَةٍ وَمَكَانَةٍ أَعْظَمُ
لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَنْفَلِتُ مِنْهُ أَحَدٌ.
وَلَا قَرَارَ عَلَى زَأْرٍ مِنَ الْأَسَدِ (١) وَإِنَّمَا جُعِلَتِ النَّجَاةُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَلَمْ تُجْعَلْ مِنْ فِرْعَوْنَ مَعَ أَنَّهُ الْآمِرُ بِتَعْذِيبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَعْلِيقًا لِلْفِعْلِ بِمَنْ هُوَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَقِيقَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْوَزَعَةَ وَالْمُكَلَّفِينَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَتَجَاوَزُونَ الْحَدَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْإِعْنَاتِ عَلَى عَادَةِ الْمُنَفِّذِينَ فَإِنَّهُمْ أَقَلُّ رَحْمَةً وَأَضْيَقُ نُفُوسًا مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ كَمَا قَالَ الرَّاعِي يُخَاطِبُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ:

إِنَّ الَّذِينَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعْدِلُوا لَمْ يَفْعَلُوا مِمَّا أَمَرْتَ فَتِيلَا (٢)
جَاءَ فِي التَّارِيخِ أَنَّ مَبْدَأَ اسْتِقْرَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمِصْرَ كَانَ سَبَبُهُ دُخُولَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
_________
(١) نصف بَيت للنابغة، وأوله:
أنبئت أَن أَبَا قَابُوس أوعدني
(٢) الرَّاعِي هُوَ عبيد بن حُصَيْن من بني عَامر بن صعصعة، لقب الرَّاعِي لِكَثْرَة وَصفه لِلْإِبِلِ وَهُوَ من شعراء الدولة الأموية. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة خَاطب بهَا الْخَلِيفَة يشتكي من سعاة الزَّكَاة فِي ظلمهم لِقَوْمِهِ وتجاوزهم مَا أمروا بِهِ شرعا وَأول الأبيات:
أوليّ أَمر الله إِنَّا معشر حنفَاء نسجد بكرَة وَأَصِيلا
وَبعد الْبَيْت الَّذِي ذَكرْنَاهُ:
أخذُوا الْمَخَاض من الفصيل غلبّة ظلما وَيكْتب للأمير أفيلا
[.....]
لَهُ إِلَّا الْعِلْمِيَّةُ وَالْعُجْمَةُ، وَجَزَمَ الرَّاغِبُ بِأَنَّهُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ لِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الِاسْمِ الْعَجَمِيِّ لَمَّا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى هَذَا الْعَجَمِيِّ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَعُجْمَتُهُ عَارِضَةٌ وَلَيْسَ هُوَ عَجَمِيًّا بِالْأَصَالَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ هَذَا الِاسْمُ فِي لُغَة العبرانيين كداوود وشاوول، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ مِنَ الصَّرْفِ لِمَصِيرِهِ بِالْإِبْدَالِ إِلَى شِبْهِ وَزْنِ فَاعُولٍ، وَوَزْنُ فَاعُولٍ فِي الْأَعْلَامِ عَجَمِيٌّ، مِثْلُ هاروت وماروت وشاوول وداوود، وَلِذَلِكَ مَنَعُوا قَابُوسَ مِنَ الصَّرْفِ، وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِاشْتِقَاقِهِ مِنَ الْقَبَسِ، وَكَأَنَّ عُدُولَ الْقُرْآنِ عَنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ شَاوُلَ لِثِقَلِ هَذَا اللَّفْظِ وَخِفَّةِ طَالُوتَ.
وَأَنَّى فِي قَوْلِهِ: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا بِمَعْنَى كَيْفَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعَجُّبِ، تَعَجَّبُوا مِنْ جَعْلِ مِثْلِهِ مَلِكًا، وَكَانَ رَجُلًا فَلَّاحًا مِنْ بَيْتٍ حَقِيرٍ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ شُجَاعًا، وَكَانَ أَطْوَل الْقَوْمِ، وَلَمَّا اخْتَارَهُ صَمْوِيل لِذَلِكَ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْحِكْمَةِ، وَتَنَبَّأَ نُبُوءَاتٍ كَثِيرَةً، وَرَضِيَتْ بِهِ بَعْضُ إِسْرَائِيلَ، وَأَبَاهُ بَعْضُهُمْ، فَفِي سِفْرِ صَمْوِيلَ أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَرْضَوْا بِهِ هُمْ بَنُو بَلِيعَالَ وَالْقُرْآنُ ذَكَرَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا قَدْ ظَنُّوا أَنَّ مَلِكَهُمْ سَيَكُونُ مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَقُوَّادِهِمْ. وَالسِّرُّ فِي اخْتِيَار نبيئهم لَهُمْ هَذَا الْمَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ تَبْقَى لَهُمْ حَالَتُهُمُ الشُّورِيَّةُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَجَعَلَ مَلِكَهُمْ مِنْ عَامَّتِهِمْ لَا مِنْ سَادَتِهِمْ، لِتَكُونَ قَدَمُهُ فِي الْمُلْكِ غَيْرَ رَاسِخَةٍ، فَلَا يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يَشْتَدَّ فِي اسْتِعْبَادِ أُمَّتِهِ، لِأَنَّ الْمُلُوكَ فِي ابْتِدَاءِ تَأْسِيسِ الدُّوَلِ يَكُونُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَادُوا عَظَمَةَ الْمُلْكِ وَلَمْ يَنْسَوْا مُسَاوَاتَهُمْ لِأَمْثَالِهِمْ، وَمَا يَزَالُونَ يَتَوَقَّعُونَ الْخَلْعَ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْخِلَافَةُ سُنَّةَ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتِ الْوِرَاثَةُ مَبْدَأَ الْمُلْكِ فِي الْإِسْلَامِ، إِذْ عَهِدَ مُعَاوِيَةُ ابْن أَبِي سُفْيَانَ لِابْنِهِ يَزِيدَ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَالظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسَعُهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ذَلِكَ لِأَنَّ شِيعَةَ بَنِي أُمَيَّةَ رَاغِبُونَ فِيهِ، ثُمَّ كَانَتْ قَاعِدَةُ الْوِرَاثَةِ لِلْمُلْكِ فِي دُوَلِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ مِنْ تَقَالِيدِ الدُّوَلِ مِنْ أَقْدَمِ عُصُورِ التَّارِيخِ، وَهِيَ سُنَّةٌ سَيِّئَةٌ وَلِهَذَا تَجِدُ مُؤَسِّسِي الدُّوَلِ أَفْضَلَ مُلُوكِ عَائِلَاتِهِمْ، وَقُوَّادُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَتَفَطَّنُوا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ لِقِصَرِ أَنْظَارِهِمْ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا إِلَى قِلَّةِ جَدَّتِهِ، فَتَوَهَّمُوا ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَمْلِيكِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْخِلَالِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَأَنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ لَا وَفْرَةُ الْمَالِ وَمَاذَا تُجْدِي وَفْرَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُنْفِقُهُ فِي الْمَصَالِحِ،
وَقَدْ قَالَ الرَّاجِزُ:
وَقَدْ عُدَّتِ الرَّابِعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي عِدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَظَمَهُ الْجَعْبَرِيُّ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ جَعَلَهَا بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَبْلَ سُورَةِ الْحَدِيدِ.
وَعَدَدُ آيِهَا تِسْعٌ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعَدَدِ، وَعَدَّهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ ثَمَانِيَ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ [الزلزلة: ٦] آيَتَانِ أَوْ آيَة وَاحِدَة.
أغراضها
إِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَذِكْرُ أَشْرَاطِهِ وَمَا يَعْتَرِيِ النَّاسَ عِنْدَ حُدُوثِهَا مِنَ الْفَزَعِ.
وَحُضُورُ النَّاسِ لِلْحَشْرِ وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَاجْتنَاب الشَّرّ.
[١- ٦]
[سُورَة الزلزلة (٩٩) : الْآيَات ١ إِلَى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦)
افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِظَرْفِ الزَّمَانِ مَعَ إِطَالَةِ الْجُمَلِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا الظَّرْفُ تَشْوِيقٌ إِلَى مُتَعَلِّقِ الظَّرْفِ إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ تَوْقِيتَ صُدُورِ النَّاسِ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ بَلِ الْإِخْبَارُ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ وَهُوَ الْبَعْثُ، ثُمَّ الْجَزَاءُ، وَفِي ذَلِكَ تَنْزِيلُ وُقُوعِ الْبَعْثِ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ الْمُحَقَّقِ الْمَفْرُوغِ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُهِمُّ النَّاسَ إِلَّا مَعْرِفَةُ وَقْتِهِ وَأَشْرَاطِهِ فَيَكُونُ التَّوْقِيتُ كِنَايَةً عَنْ تَحْقِيقِ وُقُوعِ الْمُوَقَّتِ.
وَمَعْنَى زُلْزِلَتِ: حُرِّكَتْ تَحْرِيكًا شَدِيدًا حَتَّى يُخَيَّلَ لِلنَّاسِ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ حَيِّزِهَا لِأَنَّ فِعْلَ زُلْزِلَ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّلَلِ وَهُوَ زَلَقُ الرِّجْلَيْنِ، فَلَمَّا عَنَوْا شِدَّةَ الزَّلَلِ ضَاعَفُوا الْفِعْلَ لِلدَّلَالَةِ بِالتَّضْعِيفِ عَلَى شِدَّةِ الْفِعْلِ كَمَا قَالُوا: كَبْكَبَهُ، أَيْ كَبَّهُ وَلَمْلَمَ بِالْمَكَانِ مِنَ اللَّمِّ.
وَالزِّلْزَالُ: بِكَسْرِ الزَّايِ الْأَوْلَى مَصْدَرُ زَلْزَلَ، وَأَمَّا الزَّلْزَالُ بِفَتْحِ الزَّايِ فَهُوَ اسْمُ


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الْخَبَيْبَيْنِ قَدِي لَيْسَ الْإِمَامُ بِالشَّحِيحِ الْمُلْحِدِ