لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمَسَرَّةَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ بَابِ اسْتِفَادَةِ التَّعْلِيلِ مِنَ التَّعْلِيقِ بِالْمُشْتَقِّ.
[٧٠، ٧١]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٧٠ الى ٧١]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ.
الْقَوْلُ فِي مَا هِيَ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَكَى مُرَادِفَ كَلَامِهِمْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَالْجَوَاب لَهُم ب إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا إِلَّا الْكَرَامَةُ وَالنَّفَاسَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْكِيُّ فِي الْقُرْآنِ اخْتِصَارًا لِكَلَامِهِمْ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ مُرَادَهُمْ فَأَنْبَأَهُمْ بِهِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ إِعَادَتَهُمُ السُّؤَالَ تُوقِعُ فِي نَفْسِ مُوسَى تَسَاؤُلًا عَنْ سَبَبِ هَذَا التَّكْرِيرِ فِي السُّؤَالِ، وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا اعْتِذَارٌ عَنْ إِعَادَةِ السُّؤَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَذِرُوا فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَاعْتَذَرُوا الْآنَ لِأَنَّ لِلثَّالِثَةِ فِي التَّكْرِيرِ وَقعا فِي النَّفْسِ فِي التَّأْكِيدِ وَالسَّآمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي أَحْوَالِ الْبَشَرِ وَشَرَائِعِهِمُ التَّوْقِيتُ بِالثَّلَاثَةِ.
وَقَدْ جِيءَ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ فِي خَبَرٍ لَا يَشُكُّ مُوسَى فِي صِدْقِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ ثُمَّ يُتَوَسَّلُ بِالِاهْتِمَامِ إِلَى إِفَادَةِ مَعْنَى التَّفْرِيعِ وَالتَّعْلِيلِ فَتُفِيدُ (إِنَّ) مَفَادَ فَاءِ التَّفْرِيعِ وَالتَّسَبُّبِ وَهُوَ مَا اعْتَنَى الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ بِشَارٍ:

بَكِّرَا صَاحِبَيَّ قَبْلَ الْهَجِيرِ إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ
تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [الْبَقَرَة: ٣٢] فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً.
وَقَوْلُهُمْ: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ تَنْشِيطٌ لِمُوسَى وَوَعْدٌ لَهُ بِالِامْتِثَالِ لِيَنْشَطَ إِلَى دُعَاءِ رَبِّهِ بِالْبَيَانِ وَلِتَنْدَفِعَ عَنْهُ سَآمَةُ مُرَاجَعَتِهِمُ الَّتِي ظَهَرَتْ بَوَارِقِهَا فِي قَوْلِهِ: فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ [الْبَقَرَة: ٦٨] وَلِإِظْهَارِ حُسْنِ الْمَقْصِدِ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَأَنْ لَيْسَ قَصْدُهُمُ الْإِعْنَاتَ.
تَفَادِيًا مِنْ غَضَبِ مُوسَى عَلَيْهِم.
وَالتَّعْلِيق ب إِنْ شاءَ اللَّهُ لِلتَّأَدُّبِ مَعَ اللَّهِ فِي رَدِّ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِي طَلَبِ حُصُولِ الْخَيْرِ.
وَالْقَوْلُ فِي وَجْهِ التَّأْكِيدِ فِي إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْأَوَّلِ.
أغراضها أَمْرُ قُرَيْشٍ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرُّبُوبِيَّةِ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِنِعْمَةِ أَنَّ اللَّهَ مَكَّنَ لَهُمُ السَّيْرَ فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ بِرِحْلَتَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لَا يَخْشَوْنَ عَادِيًا يَعْدُو عَلَيْهِمْ.
وَبِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِنَ الْمَجَاعَاتِ وَأَمَّنَهُمْ مِنَ الْمَخَاوِفِ لِمَا وَقَرَ فِي نُفُوسِ الْعَرَبِ مِنْ حُرْمَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ سُكَّانُ الْحَرَمِ وَعُمَّارُ الْكَعْبَةِ.
وَبِمَا أَلْهَمَ النَّاسَ مِنْ جَلْبِ الْمِيرَةِ إِلَيْهِمْ مِنَ الْآفَاقِ الْمُجَاوِرَةِ كَبِلَادِ الْحَبَشَةِ.
وَرَدِّ الْقَبَائِلِ فَلَا يُغِيرُ عَلَى بَلَدِهِمْ أَحَدٌ قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت: ٦٧] فَأَكْسَبَهُمْ ذَلِكَ مَهَابَةً فِي نُفُوسِ النَّاسِ وعطفا مِنْهُم.
[١- ٤]
[سُورَة قُرَيْش (١٠٦) : الْآيَات ١ إِلَى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)
افْتِتَاحٌ مُبْدِعٌ إِذْ كَانَ بِمَجْرُورٍ بِلَامِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ بِإِثْرِهِ بِالْقُرْبِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيقِ بِهِ فَفِيهِ تَشْوِيقٌ إِلَى مُتَعَلِّقِ هَذَا الْمَجْرُورِ. وَزَادَهُ الطُّولُ تَشْوِيقًا إِذْ فُصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُتَعَلِّقِهِ (بِالْفَتْحِ) بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَيَتَعَلَّقُ لِإِيلافِ بقوله: لْيَعْبُدُوا.
وَتَقْدِيمُ هَذَا الْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ إِذْ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ أَمْرِهِمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ الَّتِي أَعْرَضُوا عَنْهَا بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ «لِيَعْبُدُوا».
وَأَصْلُ نَظْمِ الْكَلَامِ: لِتَعْبُدْ قُرَيْشٌ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ لِإِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلَمَّا اقْتَضَى قَصْدُ الِاهْتِمَامِ بِالْمَعْمُولِ تَقْدِيمَهُ عَلَى عَامِلِهِ، تَوَلَّدَ مِنْ تَقْدِيمِهِ مَعْنًى جَعَلَهُ شَرْطًا لِعَامِلِهِ فَاقْتَرَنَ عَامِلُهُ بِالْفَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ شَأْنِ جَوَابِ الشَّرْطِ، فَالْفَاءُ الدَّاخِلَةُ فِي قَوْله: لْيَعْبُدُوا
مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ مَا قبلهَا فِي قُوَّةِ الشَّرْطِ، أَيْ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ مَقْصُودٌ بِهِ اهْتِمَامٌ


الصفحة التالية
Icon