إِمَّا مُرْسَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، وَإِمَّا تَمْثِيلًا لِلْهَيْئَةِ عِنْدَ التَّكْوِينِ بِهَيْئَةِ الْمُكَلَّفِ إِذْ لَيْسَتْ لِلْحِجَارَةِ خَشْيَةٌ إِذْ لَا عَقْلَ لَهَا. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ إِسْنَادَ (يَهْبِطُ) لِلْحَجَرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْمُرَادُ هُبُوطُ الْقُلُوبِ أَيْ قُلُوبِ النَّاظِرِينَ إِلَى الصُّخُورِ وَالْجِبَالِ أَيْ خُضُوعُهَا فَأُسْنِدَ الْهُبُوطُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا سَبَبُهُ كَمَا قَالُوا نَاقَةٌ تَاجِرَةٌ أَيْ تَبْعَثُ مَنْ يَرَاهَا عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فِيهَا (١).
وَقَوْلُهُ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تَذْيِيلٌ فِي مَحَلِّ الْحَالِ أَيْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَنْ كُلِّ صُنْعِكُمْ.
وَقَدْ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ تَكْمِلَةَ خِطَابِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ (يَعْمَلُونَ) بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ خِطَابِهِمْ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ فَلِذَلِكَ غَيَّرَ أُسْلُوبَهُ إِلَى الْغَيْبَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الِالْتِفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَرْجِعِ الضَّمِيرَيْنِ لِأَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ:
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٧٥] عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ نُقِلَ مِنْ خِطَابِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ خَبَرٌ مُرَادٌ بِهِ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ لَهُمْ مُبَاشَرَةً أَو تعريضا.
[٧٥]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٧٥]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
هَذَا اعْتِرَاضٌ اسْتِطْرَادِيٌّ بَيْنَ الْقِصَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالْقِصَّةِ الَّتِي أَوَّلُهَا: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ [الْبَقَرَة: ٨٣] فَجَمِيعُ الْجُمَلِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَتَطْمَعُونَ إِلَى قَوْلِهِ:
وَإِذْ أَخَذْنا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الِاسْتِطْرَادِ.
وَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ أَوِ التَّعْجِيبِيِّ عَلَى جُمْلَةِ ثُمَّ قَسَتْ [الْبَقَرَة: ٧٤] أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا مِمَّا يَقْتَضِي الْيَأْسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَا تَطْمَعُوا أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أَوْ فَاعْجَبُوا مِنْ طَمَعِكُمْ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ مَوْقِعِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي مِثْلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ [الْبَقَرَة: ٨٧].
وَالطَّمَعُ تَرَقُّبُ حُصُولِ شَيْءٍ مَحْبُوبٍ وَهُوَ يُرَادِفُ الرَّجَاءَ وَهُوَ ضِدُّ الْيَأْسِ، وَالطَّمَعُ يَتَعَدَّى بِفِي حُذِفَتْ هُنَا قَبْلَ (أَنْ).
_________
(١) قَالَ النَّابِغَة يصف نخلا:


الْمَخْزُومِيِّ، وَقِيلَ: فِي عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِيِّ، وَقِيلَ: فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ قَبْلَ إِسْلَامِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُ كُلَّ أُسْبُوعٍ جَزُورًا فَجَاءَهُ مَرَّةً يَتِيمٌ فَسَأَلَهُ مِنْ لَحْمِهَا فَقَرَعَهُ بِعَصَا. وَقِيلَ: فِي أَبِي جَهْلٍ: كَانَ وَصِيًّا عَلَى يَتِيمٍ فَأَتَاهُ عُرْيَانًا يَسْأَلُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَدَفَعَهُ دَفْعًا شَنِيعًا.
وَالَّذِينَ جَعَلُوا السُّورَةَ مَدَنِيَّةً قَالُوا: نَزَلَتْ فِي مُنَافِقٍ لَمْ يُسَمُّوهُ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مَعْزُوٌّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضِ التَّابِعِينَ وَلَوْ تَعَيَّنَتْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ نُزُولِهَا مخصّصا حكمهَا بِمن نَزَلَتْ بِسَبَبِهِ.
وَمَعْنَى يَدُعُّ يَدْفَعُ بِعُنْفٍ وَقَهْرٍ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطّور: ١٣].
وَالْحَضُّ: الْحَثُّ، وَهُوَ أَنْ تَطْلُبَ غَيْرَكَ فِعْلًا بِتَأْكِيدٍ.
وَالطَّعَامُ: اسْمُ الْإِطْعَامِ، وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ إِضَافَةً لَفْظِيَّةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مُرَادًا بِهِ مَا يُطْعَمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ [الْبَقَرَة: ٢٥٩] فَتَكُونَ إِضَافَةُ طَعَامٍ إِلَى الْمِسْكِينِ مَعْنَوِيَّةً عَلَى مَعْنَى اللَّامِ، أَيِ الطَّعَامُ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَيَكُونُ فِيهِ تَقْدِيرٌ مُضَافٌ مَجْرُورٌ بِ (عَلَى) تَقْدِيرُهُ: عَلَى إِعْطَاءِ طَعَامِ الْمِسْكِينِ.
وَكُنِّيَ بِنَفْيِ الْحَضِّ عَنْ نَفْيِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّ الَّذِي يَشِحُّ بِالْحَضِّ عَلَى الْإِطْعَامِ هُوَ بِالْإِطْعَامِ أَشَحُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فِي سُورَةِ الْفَجْرِ [١٨] وَقَوْلِهِ: وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ [٣٤].
وَالْمِسْكِينُ: الْفَقِيرُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّدِيدِ الْفَقْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ فِي سُورَة التَّوْبَة [٦٠].
[٤- ٧]
[سُورَة الماعون (١٠٧) : الْآيَات ٤ إِلَى ٧]
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)
مَوْقِعُ الْفَاءِ صَرِيحٌ فِي اتِّصَالِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ عَلَى معنى التَّفْرِيع والترتب وَالتَّسَبُّبِ.


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
بزاخية ألوت بِلِيفٍ كَأَنَّهُ عفاء قلاص طَار عَنْهَا تواجر