فمن تأمل حال الليل إذا عسعس وأدبر والصبح إذا تنفس وأسفر فهزم جيوش الظلام بنفسه واضاء أفق العالم بقبسه وفل كتائب الكواكب بعساكره وأضحك نواحي الأرض بتباشيره وبشائره فيالهما آيتان شاهدتان بوحدانية منشئهما وكمال ربوبيته وعظم قدرته وحكمته فتبارك الذي جعل طلوع الشمس وغروبها مقيما لسلطان الليل والنهار فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله فكيف كان الناس يسعون في معاشهم ويتصرفون في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم وكيف كانت تهنيهم الحياة مع فقد لذة النور وروحه وأي ثمار ونبات وحيوان كان يوجد وكيف كانت تتم مصالح أبدان الحيوان والنبات ولولا غروبها لم يكن للناس هدو ولا قرار مع علم حاجتهم إلى الهدو لراحة أبدانهم وجموم حواسهم فلولا جثوم هذا الليل عليهم بظلمته ما هدأوا ولا قروا ولا سكنوا بل جعله أحكم الحاكمين سكنا ولباسا كما جعل النهار ضياء ومعاشا ولولا الليل وبرده لاحترقت أبدان النبات والحيوان من دوام شروق الشمس عليها وكان يحرق ما عليها من نبات وحيوان فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن جعلها سراجا يطلع على العالم في وقت حاجتهم إليه ويغيب في وقت استغنائهم عنه فطلوعه لمصلحتهم وغيبته لمصلحتهم وصار النور والظلمة على تضادهما متعاونين متضافرين على مصلحة هذا العالم وقوامه فلو جعل الله سبحانه النهار سرمدا إلى يوم القيامة والليل سرمدا إلى يوم القيامة لفاتت مصالح العالم واشتدت الضرورة إلى تغيير ذلك وإزالته بضده
وتأمل حكمته سبحانه في ارتفاع الشمس وانخفاضها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما في ذلك من مصالح الخلق ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد منها مواد الثمار ويكثف الهواء فينشأ منه السحاب وينعقد فيحدث المطر الذي به حياة الأرض ونماء أبدان الحيوان والنبات وحصول الأفعال والقوى وحركات الطبائع وفي الصيف يخرم الهواء فيضج الثمار وتشتد الحبوب ويجفف وجه الأرض فيتهيأ العمل وفي الخريف يصفو الهواء وتبرد الحرارة ويمتد الليل وتستريح الأرض والشجر للحمل والنبات مرة ثانية بمنزلة راحة الحامل بين الحملين ففي هذه الأزمنة مبدأ ومعاد مشهود وشاهد بالمبدأ والمعاد الغيبي

__________


الصفحة التالية
Icon