@ ثم قطع دابرهم وأبطل سنتهم ومحا آثارهم وجورهم فإن أولئك لم يعيدوا شيئا من هذا ولا أيدوا ونصروا وظهرت على أيديهم الآيات ولا صدقهم الرب تعالى بإقراره ولا بفعله ولا بقوله بل أمرهم كان بالضد من أمر الرسول كفرعون ونمرود وأضرابهما ولا ينتقص هذا بمن ادعى النبوة من الكذابين فإن حاله كانت ضد حال الرسول من كل وجه بل حالهم من أظهر الأدلة على صدق الرسول ومن حكمة الله سبحانه أن أخرج مثل هؤلاء إلى الوجود ليعلم حال الكذابين وحال الصادقين وكان ظهورهم من أبين الأدلة على صدق الرسل والفرق بين هؤلاء وبينهم فبضدها تتبين الأشياء والضد يظهر حسنه الضد فمعرفة أدلة الباطل وشبهه من أنواع أدلة الحق وبراهينه
فلما سمع ذلك قال معاذ الله لا نقول أنه ملك ظالم بل نبي كريم من اتبعه فهو من السعداء وكذلك من اتبع موسى فهو كمن اتبع محمدا
قلت له بطل كل ما تموهون به بعد هذا فإنكم إذا اقررتم أنه نبي صادق فلا بد من تصديقه في جميع ما أخبر به وقد علم أتباعه وأعداؤه بالضرورة أنه دعا الناس كلهم إلى الإيمان وأخبر أن من لم يؤمن به فهو كافر مخلد في النار وقاتل من لم يؤمن به من أهل الكتاب وسجل عليهم بالكفر واستباح أموالهم ودماءهم ونساءهم وأبناءهم فإن كان ذلك عدوانا منه وجور ألم يكن نبيا وعاد الأمر إلى القدح في الرب تعالى وإن كان ذلك بأمر الله ووحيه لم يسع أحدا مخالفته وترك أتباعه ولزم تصديقه فيما أخبر به وطاعته فيما أمر
وقد أرشد سبحانه إلى هذا الملك في غير موضع من كتابه فقال ﴿ ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ﴾ يقول سبحانه لو تقول علينا قولا واحدا من تلقاء نفسه لم نقله ولم نوحه إليه لما أقررناه ولأخذنا بيمنه ثم أهلكناه هذا أحد القولين قال ابن قتيبة في هذا قولان أحدهما أن اليمين القوة والقدرة وأقام اليمين مقام القوة لأن قوة كل شيء في ميامنه قلت وعلى هذا تكون اليمين من صفة الأخذ وهذا قول ابن عباس في اليمين
قال ولأهل اللغة في هذا مذهب آخر وهذا أن الكلام ورد على ما اعتاده الناس من الأخذ بيد من يعاقب وهو قولهم إذا أرادوا عقوبة رجل خذ بيده