فألهم سبحانه الإنسان بضم بعضها إلى بعض فإذا هي كلمات قائمة بأنفسها ثم ألهمهم تأليف تلك الكلمات بعضها إلى بعض وإذا هي كلام دال على أنواع المعاني أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا ونفيا وإثباتا وإقرارا وإنكارا وتصديقا وتكذيبا وإيجابا واستحبابا وسؤالا وجوابا إلى غير ذلك من أنواع الخطاب نظمه ونثره ووجيزه ومطوله على اختلاف لغات الخلائق كل ذلك صنعه تبارك وتعالى في هواء مجرد خارج من باطن الإنسان إلى ظاهره في مجار قد هيئت وأعدت لتقطيعه وتفصيله ثم تأليفه وتوصيله فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين فهذا شأن الحرف المخلوق
وأما الحرف الذي به تكون المخلوقات فشأنه أعلى وأجل وإذا كان هذا شأن الحروف فحقيق أن تفتتح بها السور كما افتتحت بالاقسام لما فيها من آيات الربوبية وأدلة الوحدانية فهي دالة على كمال قدرته سبحانه وكمال علمه وكمال حكمته وعنايته بخلقه ولطفه وإحسانه وإذا أعطيت الاستدلال بها حقه استدللت بها على المبدأ والمعاد والخلق والأمر والتوحيد والرسالة فهي من أظهر أدلة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن القرآن كلام الله تكلم به حقا وأنزله على رسوله وحيا وبلغه كما أوحى إليه صدقا ولا تهمل الفكرة في كل سورة افتتحت بهذه الحروف واشتمالها على آيات هذه المطالب وتقريرها وبالله التوفيق فصل
ثم أقسم سبحانه ب ﴿ والقلم وما يسطرون ﴾ فأقسم بالكتاب وآلته وهو القلم الذي هو إحدى آياته وأول مخلوقاته الذي جرى به قدره وشرعه وكتب به الوحي وقيد به الدين وأثبتت به الشريعة وحفظت به العلوم وقامت به مصالح العباد في المعاش والمعاد فوطدت به الممالك وأمنت به السبل والمسالك وأقام في الناس أبلغ خطيب وأفصحه وأنفعه لهم وأنصحه وواعظا تشفي مواعظه القلوب من السقم وطبيبا يبرئ بإذنه من أنواع الألم يكسر العساكر العظيمة على أنه الضعيف الوحيد ويخاف سطوته وبأسه ذو البأس الشديد

__________


الصفحة التالية
Icon