@ الشيء وبتوعد على فعله بأعظم أنواع العقوبات ثم يبيح التوصل إليه بنفسه بأنواع التحيلات فأين ذلك الوعد الشديد وجواز التوصل إليه بالطريق البعيد إذ ليست حكمة الرب تعالى وكمال علمه واسمائه وصفاته تنتقض بإحالة ذلك وامتناعه عليه فهذا استدلال بالفقه الأكبر في الأسماء والصفات على الفقه العملي في باب الأمر والنهي وهذا باب حرام على الجهمي المعطل أن يلجه إلى الجنة حرام عليه ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين ألف سنة والله العزيز الوهاب لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وبه التوفيق فصل
ثم وبخهم سبحانه على وضعهم الأدهان في غير موضعه وأنهم يداهنون بما حقه أن يصدع به ويفرق به ويعض عليه بالنواجذ وتثنى عليه الخناصر وتعقد عليه القلوب والأفئدة ويحارب ويسالم لأجله ولا يلتوي عنه لا يمنة ولا يسرة ولا يكون للقلب التفات إلى غيره ولا محاكمة إلا إليه ولا مخاصمة إلا به ولا اهتداء في طرق المطالب العالية إلا بنوره ولا شفاء إلا به فهو روح الوجود وحياة العالم ومدار السعادة وقائد الفلاح وطريق النجاة وسبيل الرشاد ونور البصائر فكيف تطلب المداهنة بما هذا شأنه ولم ينزل للمداهنة وإنما أنزل بالحق وللحق والمداهنة إنما تكون في باطل قوى لا يمكن إزالته أو في حق ضعيف لا يمكن إقامته فيحتاج المداهن إلى أنه يترك بعض الحق ويلتزم بعض الباطل فأما الحق الذي قام به كل حق فكيف يدهن به
ثم قال سبحانه ﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ﴾ لما كان قوام كل واحد من البدن والقلب إنما هو بالرزق فرزق البدن الطعام والشراب ورزق القلب الإيمان والمعرفة بربه وفاطره ومحبته والشوق إليه والإنس بقربه والابتهاج بذكره وكان لا حياة له إلا بذلك كما أن البدن لا حياة له إلا بالطعام والشراب أنعم سبحانه على عباده بهذين النوعين من الرزق وجعل قيام أبدانهم وقلوبهم بهما ثم فاوت سبحانه بينهم في قسمة هذين الرزقين بحسب ما اقتضاه علمه وحكمته فمنهم من وفر حظه من الرزقين ووسع عليه فيهما ومنهم من قتر عليه في الرزقين