وقوله ذو مرة أي جميل المنظر حسن الصورة ذو جلالة ليس شيطانا اقبح خلق الله وأشوههم صورة بل هو من أجمل الخلق وأقواهم وأعظمهم أمانة ومكانة عند الله وهذا تعديل لسند الوحي والنبوة وتزكية له كما تقدم نظيره في سورة التكوير فوصفه بالعلم والقوة وجمال المنظر وجلالته وهذه كانت أوصاف الرسول البشري والملكي فكان رسول الله ﷺ أشجع الناس وأعلمهم وأجملهم وأجلهم والشياطين وتلامذتهم بضد من ذلك فهم أقبح الخلق صورة ومعنى وأجهل الخلق وأضعفهم همما ونفوسا
ثم ذكر استواء هذا المعلم بالأفق الأعلى ودنوه وتدليه وقربه من رسول الله ﷺ وإيحاء الله ما أوحى فصور سبحانه لأهل الإيمان صورة الحال من نزول جبريل من عنده إلى أن استوى بالأفق ثم دنى وتدلى وقرب من رسوله فأوحى إليه ما أمره الله بإيحائه حتى كأنهم يشاهدون صورة الحال ويعاينونها هابطا من السماء إلى أن صار بالأفق الأعلى مستويا عليه ثم نزل وقرب من محمد ﷺ وخاطبه بما أمره الله به قائلا ربك يقول لك كذا وكذا وأخبر سبحانه عن مسافة هذا القرب بأنه قدر قوسين أو أدنى من ذلك وليس هذا على وجه الشك بل تحقيق لقدر المسافة وأنها لا تزيد عن قوسين البتة كما قال تعالى ﴿ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ﴾ تحقيق لهذا العدد وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف رجل واحدا ونظيره قوله ﴿ ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ﴾ أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل أو في هذه المواضع بمعنى بل ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرأي وقول من جعلها بمعنى الواو فتأمله انتهى فصل
ثم أخبر تعالى عن تصديق فؤاده لما رأته عيناه وأن القلب صدق العين وليس كمن رأى شيئا على خلاف ما هو به فكذب فؤاده بصره بل ما رآه ببصره صدقه الفؤاد وعلم أنه كذلك وفيها قراءتان إحداهما بتخفيف كذب والثانية