ثم أخبر سبحانه عن إحسانهم إلى الخلق مع إخلاصهم لربهم فجمع لهم بين الإخلاص والإحسان ضد ﴿ الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون ﴾ وأكد إخلاصهم في هذا الإحسان بأن مصرفه للسائل والمحروم الذي لا يقصد بإعطائه الجزاء منه ولا الشكور والمحروم المتعفف الذي لا يسأل
وتأمل حكمة الرب تعالى في كونه حرمه بقضائه وشرع لأصحاب الجدة إعطاءه وهو أغنى الأغنياء وأجود الأجودين فلم يجمع عليه بين الحرمان بالقدر وبالشرع شرع عطاءه بأمره وحرمه بقدره فلم يجمع عليه حرمانين فصل
ثم ذكرهم سبحانه بآياته الأفقية والنفسية فقال ﴿ وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ فآيات الأرض أنواع كثيرة منها خلقها وحدوثها بعد عدمها وشواهد الحدوث والافتقار إلى الصانع عليها لا تجحد فإنها شواهد قائمة بها ومنها بروز هذا الجانب فيها عن الماء مع كون مقتضى الطبيعة أن يكون مغمورا به ومنها سعتها وكبر خلقها ومنها تسطيحها كما قال تعالى ﴿ وإلى الأرض كيف سطحت ﴾ ولا ينافي ذلك كونها كرية فهي كرة في الحقيقة لها سطح يستقر عليه الحيوان ومنها أنه جعلها فراشا لتكون مقر الحيوان ومساكنه وجعلها قرارا وجعلها مهادا ذلولا توطأ بالأقدام وتضرب بالمعاول والفئوس وتحمل على ظهرها الأبنية الثقال فهي ذلول مسخرة لما يريد العبد منها وجعلها بساطا وجعلها كفاتا للأحياء تضمهم على ظهرها وللأموات تضمهم في بطنها وطحاها فمدها وبسطها ووسعها ودحاها فهيأها لما يراد منها بأن أخرج منها ماءها ومرعاها وشق فيها الأنهار وجعل فيها السهل والفجاج ونبه بجعلها مهادا وفراشا على حكمته في جعلها ساكنة وذلك آية اخرى إذ لا دعامة تحتها تمسكها ولا علاقة فوقها ولكنها لما كانت على وجه الماء كانت تكفأ فيه تكفأ السفينة فاقتضت العناية الأزلية والحكمة الإلهية أن وضع عليها رواسي يثبتها بها لئلا تميد وليستقر عليها الأنام وجعلها ذلولا على الحكمة في أن لم تكن في غاية الصلابة والشدة كالحديد فيمتنع حفرها وشقها والبناء