@ يليها حادة الرؤس ليسهل بها القطع وجعل النواجذ وما يليها من الأضراس مسطحة الرؤس عريضة ليتأتى بها الطحن ونظمها أحسن نظام كاللؤلؤ المنظم في سلك وجعلها من الجانب الأعلى والأسفل ليتأتى بها القطع والطحن وجعلها من الجانب الأيمن والأيسر إذ ربما كلت إحدى الآلتين أو تعطلت أو عرض لها عارض فينتقل إلى الآلة الأخرى وايضا لو كان العمل على جانب واحد دائما أو شك أن يتعطل ويضعف
وتأمل كيف أنبتها سبحانه من نفس اللحم وتخرج من خلاله نابتة كما ينبت الزرع في الأرض ولم يكسها سبحانه لحما كسائر العظام سواها إذ لو كساها اللحم لتعطلت المنفعة المقصودة ولما كانت العظام محتاجة إلى لحم يكسوها ويحفظها ويتلقى عنها الحرارة والبرد ويحفظ عليها رطوبتها لم تكمل مصلحة الحيوان إلا بهذه الكسوة ولما كانت عظام الإنسان محتاجة إلى ذلك من وجه مستغنية عنه من وجه جعلت كسوتها منفصلة عنها وجعلت هي المكتسبة العارية لتمام المنفعة بذلك ولما كانت آلة القطع والكسر والطحن لم تنشأ مع الطفل من أول نشأته كسائر عظامه لعدم الحاجة إليها عطل عنها وقت استغنائه عنها بالرضاع وأعطيها وقت حاجته إليها وفيه حكمة أخرى وهي أنه لو نشأت معه من حين يولد لأضرت بحلمة الثدي إذ لا عقل له يحرزه عن عضها فكانت الأم تمتنع من إرضاعه
ومن عجيب أمرها الاتفاق والموالاة التي بينهما وبين المعدة فإنه يسلم إليها إليها الشيء اليابس والصلب فتطحنه ثم تسلمه إلى اللسان فيعجبنه ثم اللسان يسلمه إلى الحلق فيوصله إلى المعدة فتنضجه وتطبخه ثم يرسل إليها منه معلومها المقدر لها فإذا عجزت عن قطع شيء وطحنه عجزت المعدة عن انضاجه وطبخه وإذا كلت الأسنان كلت المعدة وإذا ضعفت ضعفت
وهي تصحب الإنسان وتخدمه ما لم يرها فإذا وقعت عينه عليها فارقته الأبد وهي سلاح ومنشار وسكين وروح وزينة وفيها منافع ومصالح غير هذه