قال أصحاب القول الآخر وهم جمهور الأطباء وغيرهم لو كان الأمر كما زعمتم وأن المني يستل من جميع الأعضاء لكان إذا حصل مني الذكر ومني الأنثى في الرحم تشكل المولود بشكلهما معا ولكان الرجل لا يلد إلا ذكرا دائما لأن المني قد استل عندكم من جميع أجزائه فإذا انعقد وجب أن يكون مثله وأيضا فإن المرأة تضع من وطء الرجل في البطن الواحد ذكرا وأنثى ولا يمكن أن يقال إن ذلك بسبب اختلاف أجزاء المني
قالوا ولا نسلم عموم اللذة لأنها إنما حصلت حال الاندفاق بسبب سيلان تلك المادة الحارة جارية على تلك المجاري اللحمية التي لحمتها رخوة شبيهة باللحم القريب العهد بالاندمال إذا سال عليه شيء وهو معتدل السخونة ولو كانت اللذة إنما حصلت بسبب سيلان تلك المادة لحصلت قبل الاندفاق قالوا وأما احتجاجكم بالتشابه المذكور بين الوالد والمولود فالمشابهة قد تقع في الظفر والشعر وليس يخرج منهما شيء وايضا فالمولود قد يشبه جدا بعيدا من أجداده كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أن رجلا سأله فقال أن امرأتي ولدت غلاما أسود قال هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال سود قال هل فيها من أورق قال نعم قال فأنى له ذلك قال عسى أن يكون نزعه عرق قال وهذا عسى أن يكون نزعه عرق
قالوا ولو كان في المني من كل عضو أجزاء فلا تخلو تلك الأجزاء إما أن تكون موضوعة في المني وضعها الواجب أو لا تكون كذلك فإن كانت موضوعة وضعها الواجب كان المني حيوانا صغيرا وإن لم تكن كذلك استحالت المشابهة
قالوا وأيضا فإن المني إما أن يكون مركبا على تركيب هذه الأعضاء وترتيبها أو لا يكون كذلك فالاول باطل قطعا لأن المني رطوبة سيالة فلا تحفظ الوضع والترتيب وإن كانت ثقيلة فتعين الثاني ولا بد قطعا أن يحال ذلك الترتيب والتصوير والتشكيل على سبب آخر سوى القوة التي في المادة فإنها قوة لا شعور لها ولا إدراك ولا تهتدي لهذه التفاصيل التي في الصورة الإنسانية بل هذا التصوير والتشكيل مستند إلى خالق عليم حكيم قد بهرت حكمته العقول ودلت آثار صنعته على كمال أسمائه وصفاته وتوحيده وقد اعترف بذلك فاضلا