@ وفي لفظ آخر كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولادته إلا مريم وابنها وفي لفظ للبخاري كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب والسبب الظاهر الذي لا نخبر الرسل بأمثاله لرخصه عند الناس ومعرفتهم له من غيرهم هو مفارقته المألوف والعادة التي كان فيها إلى أمر غريب فانه ينتقل من جسم حار إلى هواء بارد ومكان لم يألفه فيستوحش من مفارقته وطنه ومألفه وعند أرباب الاشارات أن بكاءه ارهاص بين يدي ما يلاقيه من الشدائد والآلام والمخاوف وأنشد في ذلك
( ويبكي بها المولود حتى كأنه % بكل الذي يلقاه فيها يهدد )
( وإلا فما يبكيه فيها وإنها % لأوسع مما كان فيه وأرغد )
ولهم نظير هذه الإشارة في قبض كفه عند خروجه إلى الدنيا وفي فتحها عند خروجه منها وهو الإشارة إلى أنه خرج إليها مركبا على الحرص والطمع وفارقها صفر اليدين منها وأنشد في ذلك
( وفي قبض كف المرء عند ولادة % دليل على الحرص الذي هو مالكه )
( وفي فتحها عند الممات إشارة % إلى فرقة المال الذي هو تاركه )
ولهم نظير هذه الإشارة في بكاء الطفل وضحك من حوله أن الأمر سيبدل ويصير إلى ما يبكي من حوله عند موته كما ضحكوا عند ولادته وأنشد في ذلك
( ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا % والناس حولك يضحكون سرورا )
( فاعمل لعلك أن تكون إذا بكوا % في يوم موتك ضاحكا مسرورا )
ونظير هذه الاشارة أيضا قولهم إن المولود حين ينفصل يمد يده إلى فيه إشارة إلى تعجيل نزوله عند القدوم عليه بأنه ضيف من تمام إكرامه وتعجيل قراه فأشار بلسان الحال إلى ترك التأخير وربما مص أصبعه إشارة إلى نهاية فقره وأنه بلغ منه إلى مص الأصابع ومنه قول الناس لمن بلغ به الفقر غايته فهو يمص أصابعه وأنشد في ذلك

__________


الصفحة التالية
Icon