@ ثالثا وتهضمه وتنفي منه مالا يصلح وتخرجه وتدفعه إلى مخرج الثفل فإن الطعام إذا استقر في المعدة اشتملت عليه وانضمت غاية الانضمام ثم أنضجته بحرارتها ثم تتولاه الكبد وتشتمل عليه وتقلبه دما خالصا ثم تقسمه على جميع الأعضاء قسمة عدل لا جور فيها ولا حيف
ولما كانت المعدة حوض البدن الذي يرده أجزاء البدن من كل ناحية اقتضت الحكمة الإلهية جعلها في وسطه وخالص الغذاء يتأدى إلى الكبد من شعب كثيرة ويجتمع في موضع واحد واسع يسمى باب الكبد وجميع العروق التي تتصل بالمعدة والأمعاء والطحال تجتمع وترتقي إلى باب الكبد والمعدة تجذب الموافق ويبقى المخالف المنافي الذي عجزت قوتها عنه ثم أن الكبد تصفيه وتنقيه بعد اجتذابه مرة أخرى وتنفي عنه غير الموافق
وقد أعد الصانع الحكيم سبحانه لتنقية الدم من الكبد ثلاثة خدام فارهين قائمين بالمرصاد بلا كسل ولا فتور وقد وضع كلا منها في المكان اللائق به ونصبه نصبة بها يكون أمكن من عمله ولما استقر الغذاء في المعدة وطبخته وأنضجته صارت فضلاته ثلاثة فضلة كالدردي الراسب وفضلة كالرغوة والزبد الطافي وفضلة مائية فجعل كل خادم من هذه الخدام الثلاثة على فضلة لا يتعداها إلى الأخرى ليجذبها من مجرى خادم الفضلة الخفيفة الطافية وهي للصفرة المرارة نصبها الرب تعالى فوق الكبد لأن المجتذب هو الفضلة الطافية ومكانها فوق مكان الدردي الراسب وخادم الفضلة التي هي كالدردي الراسب الطحال ونصبه الخلاق العظيم أسفل من باب الكبد حيث كان ما يجتذبه من أسفل ولم يكن في الجانب الأيمن لأن المعدة قد شغلت ذلك الجانب وكان الجانب الأيسر خاليا فلم تعده فإذا نقي الدم من هاتين الفضلتين خدمه الخادم الثالث وهو الكبد وقد بقي أحمر نقي اللون مشرقا نورانيا ويصل إليها من عرق عظيم يسمى الأجوف ثم يوزع من هناك على جهات البدن العليا والسفلى في رواضع كثيرة العدد ما بين كبير وصغير ومتوسط كلها تتصل بالعرق الاجوف وتمتاز منه وما دام الدم في هذا العرق ففيه مائية غير محتاج إليها لأنها كانت بتركب الغذاء