فأما الكبد فتتغذى بدم غليظ فاضل يرشح إليها من العروق غير الضوارب فلجودة غذائها كان لونها أحمر ولفضلته كانت كثيفة فالكبد تغتذى بدم أحمر غليظ والطحال بدم أسود لطيف والرئة بدم صاف مشرق في غاية النضج قريب من طبيعة الروح فجوهر كل عضو على ما هو عليه غذاؤه ملائما له فالغاذي شبيه بالمغتذى في طبعه وفعله وهذا كما أن حكمة الله سبحانه في خلقه فيه جرت حكمته في شرعه وأمره حيث حرم الأغذية الخبيثة على عباده لأنهم إذا اغتذوا بها صارت جزءا منهم فصارت أجزاؤهم مشابهة لأغذيتهم إذ الغاذي شبيه بالمغتذي بل يستحيل إلى جوهره فلهذا كان نوع الإنسان أعدل أنواع الحيوان مزاجا لاعتدال غذائه وكان الاغتذاء بالدم ولحوم السباع يورث المغتذى بها قوة شيطانية سبعية عادية على الناس فمن محاسن الشريعة تحريم هذه الأغذية وأشباهها إلا إذا عارضها مصلحة أرجح منا كحال الضرورة ولهذا لما أكلت النصارى لحوم الخنازير أورثها نوعا من الغلظة والقسوة وكذلك من أكل لحوم السباع والكلاب صار فيه قوتها ولما كانت القوة الشيطانية عارضة ثابتة لازمة لذوات الأنياب من السباع حرمها الشارع ولما كانت القوة الشيطانية عارضة في الإبل أمر بكسرها بالوضوء لمن أكل منها ولما كانت الطبيعة الحمارية لازمة للحمار حرم رسول الله ﷺ لحوم الحمر الأهلية ولما كان الدم مركب الشيطان ومجراه حرمه الله تعالى تحريما لازما
فمن تأمل حكمة الله سبحانه في خلقه وأمره وطبق بين هذا وهذا فتحا له بابا عظيما من معرفة الله تعالى واسمائه وصفاته وهذا هو الذي حركنا لبسط القول في هذا المقام الذي لا يكاد يرى فيه إلا أحد الطريقين طريق طبيب معترض للوحي مقلد لبقراط وطائفته قد عبرت عينه على الرسل وما جاءوا به وهو ممن قال تعالى فيه ﴿ فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ﴾ وطريق من يجحد ذلك كله ويكذب قائله ويظن منافاته للشريعة فيجحد حكمة الله تعالى في خلقه وإبداعه في صنعه وكلا الطريقين مذموم وسالكه من الوصول إلى الغاية محروم فلا نكذب بشرع الله ولا نجحد حكمة الله وأكثر ما أفسد الناس أنهم لم يروا إلا طبائعيا زنديقا منحلا عن الشرائع أو متساهلا قادحا فيما جرت به حكمة الله ومشيئته في خلقه

__________


الصفحة التالية
Icon