@ في الأذن وحوطهما سبحانه بصدفتين يجمعان الصوت ويؤديانه إلى الصماخ وجعل في الصدفتين تعريجات لتطول المسافة فتنكسر حدة الصوت ولا تلج الهوام دفعة بل تكثر حركاتها فينتبه لها فيخرجها وجعل العينين مقدمتين والأذنين مؤخرتين لأن العينين بمنزلة الطليعة والكاشف والرائد الذي يتقدم القوم ليكشف لهم وبمنزلة السراج الذي يضيء للسالك ما أمامه وأما الأذنان فيدركان المعاني الغائبة التي ترد على العبد من أمامه ومن خلقه وعن جانبيه فكان جعلهما في الجانبين أعدل الأمور فسبحان من بهرت حكمته العقول
وجعل للعينين غطاء لأن مدرك الأذن الاصوات ولا بقاء لها فلو جعل عليهما غطاء لزال الصوت قبل ارتفاع الغطاء فزالت المنفعة المقصودة وأما مدرك العين فأمر ثابت والعين محتاجة إلى غطاء يقيها وحصول الغطاء لا يؤثر في الإدراك وقال بعض أهل العلم عينا الإنسان هاديان وأذناه رسولان إلى قلبه ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجلاه بريدان والقلب ملك فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث خبثت جنوده فصل
ثم أنزل إلى الأنف وتأمل شكله وخلقته وكيف رفعه سبحانه في وسط الوجنة بأحسن شكل وفتح فيه بابين وأودع فيهما حاسة الشم وجعله آلة لاستنشاق الهواء وإدراك الروائح على اختلافها فيستنشق بهما الهواء البارد والطيب فيستغنى بالمنخرين عن فتح الفم أبدا ولولاهما لاحتاج إلى فتح فيه دائما وجعل سبحانه تجويفه واسعا لينحصر فيه الهواء وينكسر برده قبل الوصول إلى الدماغ فإن الهواء المستنشق ينقسم قسمين شطرا منه وهو أكثره ينفذ إلى الرئة وشطرا ينفذ إلى الدماغ ولذلك يضر المزكوم استنشاق الهواء البارد وجعل في الأنف أيضا إعانة على تقطيع الحروف وجعل بين المنخرين حاجزا وذلك أبلغ في حصول المنفعة المقصودة حتى كأنهما أنفان بمنزلة العينين والأذنين واليدين والرجلين وقد يصيب أحد المنخرين آفة فيبقى الآخر سالما وجعل تجويفه نازلا إلى أسفل ليكون مصبا للفضلات النازلة