@ وأعظم ما يثير الغبار عند الاغارة إذا توسطت الخيل جمع العدو لكثرة حركتها واضطرابها في ذلك المكان وأما حمل الآية في إثارة الغبار في وادي محسر عند الاغارة فليس بالبين ولا يثور هناك غبار في الغالب لصلابة المكان قالوا وأما قولكم إنه لم يكن بمكة حين نزول الآية جهاد ولا خيل تجاهد فهذا لا يلزم لأنه سبحانه أقسم بما يعرفونه من شأن الخيل إذا كانت في غزو فأغارت فأثارت النقع وتوسطت جمع العدو وهذا أمر معروف وذكر خيل المجاهدين أحق ما دخل في هذا الوصف فذكره على وجه التمثيل لا الاختصاص فان هذا شأن خيل المقاتلة واشرف أنواع الخيل خيل المجاهدين والقسم إنما وقع بما تضمنه شأن هذه العاديات من الآيات البينات من خلق هذا الحيوان الذي هو من أكرم البهيم وأشرفه وهو الذي يحصل به العز والظفر والنصر على الأعداء فيعدوا طالبة للعدو وهاربة منه فيثير عدوها الغبار لشدته وتورى حوافرها وسنابكها النار من الأحجار لشدة عدوها فتدرك الغارة التي طلبتها حتى تتوسط جمع الأعداء فهذا من أعظم آيات الرب تعالى وأدلة قدرته وحكمته فذكرهم بنعمه عليهم في خلق هذا الحيوان الذي ينتصرون به على أعدائهم ويدركون به ثأرهم كما ذكرهم سبحانه بنعمه عليهم في خلق الإبل التي تحمل أثقالهم من بلد إلى بلد فالابل أخص بحمل الأثقال والخيل أخص بنصرة الرجال فذكرهم بنعمه بهذا وهذا وخص الاغارة بالضبح لأن العدو لم ينتشروا إذ ذاك ولم يفارقوا محلهم وأصحاب الإغارة حامون مستريحون يبصرون مواقع الغارة والعدو لم يأخذوا أهبتهم بل هم في غرتهم وغفلتهم ولهذا كان النبي ﷺ إذا أراد الغارة صبر حتى يطلع الفجر فإن سمع مؤذنا أمسك وإلا أغار
ولما علم أصحاب الإبل أن أخفافها أبعد شيء من ورى النار تأولوا الآية على وجوه بعيدة فقال محمد بن كعب هم الحاج إذا أوقدوا نيرانهم ليلة المزدلفة وعلى هذا فيكون التقدير فالجماعات الموريات وهذا خلاف الظاهر وإنما الموريات هي العاديات وهي المغيرات روى سعيد بن جبير عن ابن عباس هم الذين يغيرون فيورون بالليل نيرانهم لطامعهم وحاجتهم كأنهم أخذوه من قوله تعالى ﴿ أفرأيتم النار التي تورون ﴾ وهذا ان أريد به التمثيل