ولما فهم السلف حقيقة مذهب هؤلاء وانه يقتضى تعطيل الرسالة فان الرسل إنما بعثوا ليبلغوا كلام الله بل يقتضى تعطيل التوحيد فان من لا يتكلم ولا يقوم به علم ولا حياة هو كالموات بل من لا تقوم به الصفات فهو عدم محض إذ ذات لا صفة لها إنما يمكن تقديرها فى الذهن لا فى الخارج كتقدير وجود مطلق لا يتعين ولا يتخصص
فكان قول هؤلاء مضاهيا لقول ( المتفلسفة الدهرية ( الذين يجعلون وجود الرب وجودا مطلقا بشرط الاطلاق لا صفة له وقد علم أن المطلق بشرط الاطلاق لا يوجد إلا فى الذهن وهؤلاء الدهرية ينكرون أيضا حقيقة تكليمه لموسى ويقولون إنما هو فيض فاض عليه من العقل الفعال وهكذا يقولون فى الوحى إلى جميع الأنبياء وحقيقة قولهم ان القرآن قول البشر لكنه صدر عن نفس صافية شريفة وإذا كانت المعتزلة خيرا من هؤلاء وقد كفر السلف من يقول بقولهم فكيف هؤلاء
وكلام السلف والأئمة فى مثل هؤلاء لا يحصى قال حرب بن اسماعيل الكرمانى سمعت اسحاق بن راهويه يقول ليس بين أهل العلم إختلاف أن القرآن كلام الله وليس بمخلوق وكيف يكون شىء من الرب عز ذكره مخلوقا ولو كان كما قالوا لزمهم أن يقولوا علم الله وقدرته ومشيئته مخلوقة فان قالوا ذلك لزمهم أن يقولوا كان الله