الوجه الثاني أنه إذا ثبت أن الله خالق فعل العبد و أنه الملهم الفجور و التقوى كان ذلك من جملة مصنوعاته و الشبهة التى عرضت للقدرية التى سأل المزنيان للنبى صلى الله عليه و سلم إنما هي فى أعمال العباد التى عليها الثواب و العقاب خاصة و لم ينكروا من جهة القدر أن الله قدر ما يخلقه هو قبل و جوده و إنما أنكر من أنكر منهم إذا إشتبه أمر أفعال العباد
و هؤلاء يقولون إن الله يقدر الأمور قبل و جودها إلا أفعال العباد و السعادة و الشقاوة فإن ذلك لا ينبغي أن يعلمه حتى يكون لأن أمر الأمير بما يعلم أن المكلف لا يطيعه فيه بل يكون ضررا عليه مستقبح عندهم و قد حكى طوائف من المصنفين فى أصول الفقه و غيرهم الخلاف فى ذلك عن المعتزلة و قالوا يجوز أن الله يأمر العبد بما يعلم أنه لا يفعله خلافا للمعتزلة لأن فى جنس المعتزلة من يخالف فى ذلك و أكثرهم لا يخالف فى ذلك و إنما يخالف فيه طائفة منهم
فإذا كان القرآن قد أثبت أنه الملهم للنفس فجورها و تقواها كان ذلك من جملة مفعولاته فلا تبقى شبهة القدرية أنه قدر ذلك قبل و جوده كما لا شبهة عندهم فى تقديره لما يخلقه من الأعيان و الصفات
و أما من أنكر تقديره العلم من منكرة الصفات أو بعضها فأولئك