و مما يدل على المسألة أن الصحابة و التابعين الذين أخذ عنهم علم الناسخ و المنسوخ إنما يذكرون نسخ القرآن بقرآن لا يذكرون نسخه بلا قرآن بل بسنة و هذه كتب الناسخ و المنسوخ المأخوذة عنهم إنما تتضمن هذا و كذلك قول علي رضي الله عنه للقاص هل تعرف الناسخ من المنسوخ في القرآن فلو كان ناسخ القرآن غير القرآن لوجب أن يذكر ذلك أيضا
وأيضا الذين جوزوا نسخ القرآن بلا قرآن من أهل الكلام و الرأي إنما عمدتهم أنه ليس فى العقل ما يحيل ذلك و عدم المانع الذي يعلم بالعقل لا يقتضي الجواز الشرعي فإن الشرع قد يعلم بخبره ما لا علم للعقل به و قد يعلم من حكمة الشارع التى علمت بالشرع ما لا يعلم بمجرد العقل و لهذا كان الذين جوزوا ذلك عقلا مختلفين فى و قوعه شرعا و إذا كان كذلك فهذا الخبر الذي فى الآية دليل على إمتناعها شرعا
وأيضا فإن الناسخ مهيمن على المنسوخ قاض عليه مقدم عليه فينبغي أن يكون مثله أو خيرا منه كما أخبر بذلك القرآن و لهذا لما كان القرآن مهيمنا على ما بين يديه من الكتاب بتصديق ما فيه من حق و إقرار ما أقره و نسخ ما نسخه كان أفضل منه فلو كانت السنة ناسخة للكتاب لزم أن تكون مثله أو أفضل منه